حنان المرحبي

إنها ببساطة تبتلعنا!

الجمعة - 06 أبريل 2018

Fri - 06 Apr 2018

تشعرني التقنيات كأني محور الكون، أينما حللت في هذا العالم الرقمي وجدت كل شيء متجاوبا معي قبل أن أرفع طلبا أو أكتب حرفا في خانة البحث، إنها تتكلم معي وتكاد تبادلني المشاعر، يوتيوب بدا يفهمني أكثر من أي إنسان على الأرض، لا أشعر بالوحشة في الانترنت. ولكن ما هو الثمن المدفوع مقابل هذا النعيم؟

في أحد الأيام وفي أثناء تصفحي فيس بوك، فوجئت بعروض لمنتج كنت قد بحثت عنه على أمازون، تحيرت؛ ما علاقة أمازون بفيس بوك؟ لم أستوعب القصة آنذاك. علمت لاحقا أن الجاني كان كوكيز المتصفح، وهو عبارة عن ملفات يتم تنزيلها في جهاز المستخدم تقوم بتتبع كل ضغطة زر له على الويب، ومن ثم تخزين ما يمكن تخزينه من معلومات عن نشاطه على المتصفح. وتشمل تلك المعلومات المواقع التي يزورها وعمليات الشراء والبحث والتفضيلات المتعلقة بنوعية المقاطع والأفلام والأخبار التي يشاهدها. واعتمادا على السجل التاريخي للمعلومات التي يجمعها، يتفاعل المتصفح مع المستخدم وكأنه صديق مقرب، يشعره باهتمامه حين يوفر عليه الوقت والطاقة ويحد من تكرار العمليات، فبمجرد دخول المستخدم إلى الموقع يستقبله الأخير بمائدة الكترونية تحوي جميع تفضيلاته وبكل سخاء. ولن تجعله أبدا يتعنى في البحث، يكفي أن يكتب حرفا واحدا لتنبثق قائمة تحوي عناوين سبق وبحث عنها مبتدئا بذلك الحرف مع أشياء أخرى ذات صلة.

إن ما يجري هو تطور في ممارسات التسويق بقيادة صناعة المعلومات التي تتسيدها العملاقة قوقل وشبكات التواصل، تطبيقا لمفهوم الإعلان بحسب نوع العميل (Ad personalization). وبوجود كوكيز المتصفح واندفاع الناس للمشاركة بمعلوماتهم الشخصية على الانترنت استطاع المسوقون تصميم المنتجات والحلول وفقا للاحتياجات الفردية. وقد أظهرت دراسة أن ذلك قد نتج عنه تحسن استجابة العملاء للإعلانات، وبالتالي نمو عائداتها. لكن ما مدى قبول العميل لعملية التتبع التي تسبق ذلك النعيم؟ من المؤكد أن الناس يتفاوتون في ردود الفعل. فقد يرى البعض أن ذلك لا يدعو للقلق، فلم تستخدم تلك المعلومات سوى في تحسين الخدمة ولم يسمع أحد بقصص تشير إلى وجود إساءة استخدام. والأهم أن الأمور لا تزال تحت السيطرة، ففي وسع المستخدم تعطيل كوكيز المتصفح والحد من المشاركة بالمعلومات الشخصية والإعجابات على الشبكات الاجتماعية، الأمر الذي لا يرجو حدوثه مزودو الخدمة وبالتالي سيعملون على المحافظة على ثقة العملاء كي لا يتوقف تدفق المعلومات.

لكن ما هي حدود طموح هؤلاء العمالقة. لنتخيل التجربة. من الممكن أن يأتي يوم ويصبح هناك إمكانية لشراء عبيد رقميين (روبوتات)، نوكل إليها المهام المنزلية، ونجعلها تنوب عنا في الدوامات، وتنجز أعمالنا الروتينية، وبالتالي يجب أن نسلمها المعلومات التي تلزمها لتمثلنا فكرا وشعورا كي يتحسن أداؤها، وفي المقابل تحررنا من الالتزامات، ومن بعد ذلك لن يشغلنا سوى الترفيه والسياحة والسفر ونشر تجاربنا على الشبكات. تبدو التجربة عظيمة، من يرفض كل هذه الحرية في مقابل تسليم العملاق المعلومات التي يطلبها وبدقة. هل هناك ما يدعو للقلق والخيار لا يزال بيدنا ومزودو الخدمات لديهم الدافع للمحافظة على ثقة العميل؟

تعدنا التقنيات بمزيد من تسهيلات الحياة والتفرغ في مقابل المزيد من الانفتاح ومشاركة المعلومات، وذلك ليس لممارسة أدوار وأنشطة خارجها، وإنما داخلها. وحلول التقنيات بالعادة غير مكلفة لأن هدفها الانتشار، لكنها تعرف كيف تزيد اعتمادية المستخدم عليها دون أن يشعر. إنها ببساطة تبتلعنا دون أن نشعر.