المعرفة كنز لا يفنى

الأربعاء - 04 أبريل 2018

Wed - 04 Apr 2018

قبل عقدين من الزمن لم يدر في خلدي وأتصور أن الإنسان يمتلك ما هو أبعد وأعمق من القدرة والإمكانية الجسدية ويضم قوة خفية لا يدركها أحد غيره، وأن لديه قوة غير ملموسة يشعر بها هذا الشخص نفسه أو أن شخصا غيره قد يكون قريبا أو زميلا أو رئيسا يشعره بهذه الملكة الخفية التي لديه، أو أحيانا يستشعر الفرد بأنه شبيه بصندوق محكم الإغلاق ومدفون بمكان خفي وبين يديه خارطة مرسومة وعليها نقاط متفرقة برموز وشيفرات موصلة لهذا الصندوق الذي بداخله كنز دفين لا يقدر بثمن، وفي بعض الأحيان يمتلك هذه الخارطة شخص أو عدة أشخاص لا يستطيعون فك هذه الرموز للحصول على الكنز، فيستمرون في تيه وقتي أو أبدي وتنتج عنه عدة محاولات قد تبوء بالفشل وقد تصيب أحيانا للحصول على مبتغاهم، أو أن يأتي صاحب الكنز بشروطه التعجيزية ليرشدهم إلى جزء بسيط من طريقة الوصول إلى الكنز الثمين، أو أن يساعدهم بفك هذه الرموز شخص كان مرافقا وملازما لمن قام بإخفاء الكنز ودفنه، وفي جميع الحالات يكون الوقت المهدر مقابل الجهد المبذول والمال المصروف يساوي في نهاية الأمر الفشل الذريع والخسران الكبير.

ما أرمي إليه في تشبيهي لكل ما سبق وما يملكه الشخص من قوة خفية وغير ملموسة والكنز الكبير الذي لا يقدر بثمن هو «المعرفة»، وأردت أن أبسطها للقارئ الكريم بضرب المثل، فالمعرفة تعني ما يمتلكه الشخص من معلومات مضاف إليها قدر كبير من الخبرات والثقافات والتجارب التي عملت على صقل شخصيته وأسست لديه قوة كبيرة من القدرة على إيجاد الحلول لأي مشكلة قد تواجهه في مجاله، وأيضا لديه سرعة البداهة في اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب.

وهذه المعرفة التي راكمها الشخص على مدار سنوات عديدة إما بالاطلاع أو المحاكاة أو النمذجة السلوكية مثل الموظف الذي قضى وقتا كافيا مع زميله في العمل أو رئيسه ومديره، وكانوا على قدر كبير أيضا من الإلمام بإجراءات وطرق تسيير الوظيفة، ولديهم حسن التصرف واللباقة المهنية، مما مكن الموظف المستفيد من الاستحواذ على هذه المعرفة الدفينة التي يصعب أن يصرح بها المحترفون والمتقنون لأعمالهم، خصوصا في الأعمال الفنية والتقنية والتخصصية التي تتطلب غالبا العمل بتركيز ووضع حلول منطقية، وتحتاج إلى ربط لعمليات العقل المعرفية كالانتباه والإدراك والتركيز واتخاذ القرار الآني والسريع، والتي تعتبر معرفة كامنة وضمنية خفية.

يشبهه متخصصو علم النفس المعرفي «المعرفة» بجبل الثلج في البحر وهو على شكلين، داخلي وخارجي، فالخارج يظهر منه بروز سنام الثلج وجزؤه العلوي فقط، والذي يمثل 30% تقريبا كمعرفة بسيطة متاحة للجميع أن يطلعوا عليها ويقتبسوا منها، وتسمى معرفة ماذا Know What مثل الكاريزما واللباقة والاحترام والهندام والقيافة ومعرفة أنظمة العمل والإجراءات والآليات الرسمية الواضحة والمعلنة لمهام العمل، والتي يعرفها جميع الموظفين، وهي سهلة النقل والتداول وغالبا ما توجد في الكتيبات أو ترسل عبر البريد الالكتروني والخطابات.

أما الجزء الداخلي من الجبل الثلجي المغمور في الماء فيشار له بمعرفة كيف Know How، حيث يخفي الشخص بداخله كما هائلا وكبيرا من المعتقدات والخبرات والمهارات والهوايات والشيفرات، وتكون غالبا صعبة النقل والتداول، كونها خفية لا يصرح بها الشخص، وهذا هو الكنز الحقيقي ولا بد من وجود آلية احترافية يمتلكها تنفيذيو المنظمات والشركات وخصوصا مسؤولي الموارد البشرية لاستنباط هذه المعرفة قبل مغادرة الموظف للشركة وتركه للعمل، سواء كان السبب التقاعد المبكر أو بلوغ السن القانونية أو الإصابة أو الوفاة، لا قدر الله.

فإما أن يوضع شخص كمرافق ورقيب للموظف المبدع الذي يمتلك هذه المعرفة ويطلق عليه متخصصو السلوك التنظيمي والإداري «الموظف الظل» Shadow Person الذي يقوم باقتناص المهارة والحرفة العالية ويخزنها في عقله لحين الحاجة، أو أن يتم تسجيل كافة الخبرات في أوراق وقواعد بيانات في نظام آلي يسمى مقابلة الخروج Exit Interview، ثم يتم تفريغ هذه المعرفة المكتسبة وتخزينها والاحتفاظ بها وترميزها لحين الحاجة إليها، ليتم نقلها وتعميمها على الموظفين الباقين، فالمعرفة كنز لا يفنى ولا يقدر بثمن إذا ما امتلك الشخص المعرفة الفريدة والنادرة ولديه إبداع، وذلك لتحسين إجراءات العمل وتطويره وأيضا لتحقيق التوفير والمشاركة وتعظيم الأرباح للمنظمة.

Yos123Omar@