نظرية الأمل

الجمعة - 30 مارس 2018

Fri - 30 Mar 2018

الأمل في قواميس المتأملين هو الطاقة الدافعة إلى انتظار الأفضل الذي لم تعشه يوما، أو تشعر به، يمد ابتسامتك على عضلات وجهك المتيبسة من كدح الابتلاءات وبؤس الحظ المقدر عليك، مهدئ معنوي لا يحتاج إلى كوب ماء لتفرغه بداخلك، أو إبرة لتحقنه في أوردتك، رغما عن تصنيف الكثيرين له كأحد أدوات الفشل وبعض الخيبة، هو عملية انتظار غير مقيدة برؤية أو استراتيجية، نطاق مفتوح على خط الزمن اللا متناهي، وإيمان مطلق بأن الله سيبعث لك ذلك المنتظر المغيب وراء الأيام، والمرجو بصبر وشغف واستسلام.

الاستسلام المطلق، الشرط الجوهري لتكون مؤمنا بنظرية الأمل، إنها قوت يبقي الملايين على قيد الحياة والعطاء، وتحمل الألم الذي يكشف عن هشاشتنا ونضوب صبرنا، ونظل في معركة أوزارها لا تحط في دواخلنا بين أن نستسلم للأمل، أو نتوحش ونثور على هذه الطاقة القامعة للغضب واليأس.

الغضب واليأس، كل ما يدور حول هذين الهادرين من صور مخيف ومقلق، بالرغم من تغييرهما لمصائر الملايين من البشر، فمتى كانت العبودية ستنتهي لولا غضب عبيد هاييتي وثورتهم ضد الأسياد وانتزاعهم الحياة لكل مسلوب من الحرية في العالم؟ وما هو مصير الأمم التي رضخت تحت الاستعمار عقودا لو لم يحررها اليأس من واقعها المخيب ومستقبلها المقيد بيد المستعمر؟ قد تخبئ أبشع المشاعر خلفها مفاتيح خير لا يرى في نفس المكان أو الزمان.

- الزمان هو وقود الأمل، ليس في وسع المؤمنين بنظرية الأمل ألا يخوضوا عباب السنين، مقيدين على قارعة الانتظار وكلهم يقين بأن الزمن سيحمل معه خلاصهم وأمانيهم، لقد كان أداة البقاء على ضفة التفاؤل لكل المتأملين، المنتظرين، الصابرين، الحالمين، الواقفين - رغم بؤسهم- على آخر حدود الرجاء، ولكنهم صامدون.

- الصمود الذي أبقى آخر جنود الحرب العالمية الأولى أحياء برغم أرتال الموتى التي تحلل نصفها قبل أن تدفن أمامهم، والجوع الذي حدد أضلاعهم وزم وجناتهم، ورغم الموت الذي راح يحمله حتى البعوض فوق أجسادهم، أبقاهم الأمل صامدين في انتظار خبر السلام عله ينتشل أجسادهم من توابيت الخنادق، أخرجهم في ليلية العيد عام 1914م، ليحتفلوا بالحياة والفرح مع أعدائهم في الخنادق المقابلة كأنهم يسبقون القدر المر بحلاوة الأمل، ويتمسكون بكل أسباب الحياة حتى في ساحة القتال.