60 دقيقة

الخميس - 29 مارس 2018

Thu - 29 Mar 2018

رقم بريطاني يظهر على شاشة جوالي، وحين رددت قالت المتصلة بلهجة بريطانية صرفة «هاي أنت هبة؟»، «نعم من المتصل؟»، «أنا إنجيلا من راديو BBC SO أتمنى أنك لا تزالين تذكرين أننا أجرينا معك مقابلة قبل سنة»، رددت عليها باقتضاب «نعم أتذكر». واسترجعت تلك المقابلة التي اتفقوا معي فيها على الحديث عن موضوع ما، وحين أصبحنا على الهواء وجدت أنهم أدخلوا على الخط امرأة تدعي أنها سعودية، وأنها لاجئة سياسيا في بريطانيا، وتتحدث عن تعرض المرأة السعودية للقمع وعدم وجود حقوق للإنسان هناك، وقد كتبت عن ذلك في مقال سابق تحت عنوان «غسيل سعودي على الهواء البريطاني”.

عاد صوتها إلي قائلة «نرغب في أخذ رأيك عن مقابلة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان مع برنامج 60 دقيقة»، وهنا ذكرتها بما فعلوه المرة الماضية، ووعدتني أن ذلك لن يحدث الآن، واتفقنا على نقاط المقابلة حيث سأتحدث عن ردود الفعل المجتمعي على القرارات والتغييرات الأخيرة في الفكر والأنشطة ونمط الحياة في السعودية. وأنه بقدر ما هناك متحمسون ومبتهجون من التغييرات، هناك معترضون، متخوفون وحائرون، وأن ذلك طبيعي جدا. فالمعترضون معروفون واعتراضهم يعتمد على معتقدات الصحوة. أما المتخوفون فهم جيل الخمسينيات والستينيات الذين يرون أن التغييرات تهديد لنظام حياتهم الذي ألفوه ولم يعرفوا غيره واعتادوا عليه بل واقتنعوا أنه الصحيح، والمرتعبون من فكرة أن يتعارف شخصان قبل الزواج ليس لأنه حرام، بل لأنه عيب و»قلة حياء». أما المحتارون والمشككون فهم جيل السبعينيات والثمانينات، ذلك الجيل الذي نشأ في أحضان الصحوة، ما بين الأنشطة الصيفية وأناشيد الجهاد للفتيان، وأشرطة الوعظ وعذاب النار للنساء اللاتي لا يقرن في بيوتهن بحصص المكتبة للفتيات، ومن ثم كبر هذا الجيل ليعاصر الانفتاح والعولمة، فكان مصيره أن يعيش معظم حياته تتجاذبه الرغبة في الحياة مع الخوف من سطوة العيب ووسواس الحرام، وحين جاءت التغييرات ما فتئ يسأل نفسه «ترى هل ضاع عمري سدى؟”.

حقيقة لم أكن متفاجئة كثيرا حين ظهرت في منتصف المقابلة الفتاة السعودية «غفران» التي درست الماجستير في بريطانيا وعادت للبلد لتجد والدها يعارض عودتها لدراسة الدكتوراه، ويرفض تجديد جواز سفرها، وأشارت إلى أنه رغم كل ما يقال عن التغييرات فالحقيقة أن الأنظمة والقوانين لم تتغير، وما زالت النساء يعانين. وحقيقة بقدر استيائي من خروجهم عن النص المتفق عليه ومحاولتي لمداراة الموضوع في مداخلتي إلا أنني بعد انتهاء المقابلة وتعمقي في التفكير بهدوء وحيادية خلصت للتالي. نعم يصعب على العالم استيعاب حقيقة أننا فعلا نتغير، وأننا فعلا نخطو خطوات حقيقية نحو نظام سياسي واجتماعي أكثر تفاعلا ومواءمة للتطورات الإنسانية والحضارية. ويصعب عليهم تصديق نموذج القائد الشاب الذي امتلك الشجاعة ليضع رؤية جديدة، والعزم لتحقيقها والأهم جعل الناس يصدقونها. نعم لقد اعتادوا علينا في إطار معين. ورغم أننا لسنوات أثبتنا بتعاملنا وعملنا وانخراطنا بأننا لسنا تلك الصورة النمطية، إلا أن أدواتهم الإعلامية لا تزال تصر على إرجاعنا إلى تلك البقعة المظلمة حيث لا تشرق شمس التطور ولا تهب رياح التغيير. لذا كان خروج الأمير محمد بن سلمان

إليهم في تلك الخطوات الواثقة والخطط الواضحة والدبلوماسية المحترفة والتغطية الإعلامية العالية، مضافا إليها طموح الشباب ونظرة ثاقبة للحاضر والمستقبل، مفاجئة أربكت أدوات الإعلام التي اعتادت أن تقتات على أخبار المسلمين وخاصة السعودية لتثير الزوابع وتصنع السبق الصحفي الرنان.

نعم نحن نتغير، أقولها بيقين أكبر بعد مشاهدتي لمقابلة ولي العهد في برنامج 60 دقيقة. أقولها وأنا التي تنتمي إلى الجيل الذي يسأل «هل ضاع عمري سدى؟» لأنني أدرك أنه لا فائدة من اجترار الماضي والبكاء على ما فات والادعاء بأننا لم نكن جزءا من المشكلة بتعطيل عقولنا ورفض التغيير لمجرد الخوف من المختلف لعقود من الزمن. أقولها وأنا أستمع لذلك السيل من الصراحة التامة والمواجهة الحاسمة مع أخطاء الماضي والإسلام الراديكالي بدون محاولات للتبرير أو انتظار أكثر حتى يقتنع الجميع ممن كانت لهم الأولوية لعقود. نعم أقول بأمل عارم إننا نتغير، وأن للتغيير ثمنا، وأنه ليس هناك ثمن غال مقابل أن نبدأ في رؤية خيوط ضوء الحرية، التطور والإبداع تنبثق في فجر جديد على وطننا الغالي.