علامة فارقة في تاريخ المملكة

الأربعاء - 28 مارس 2018

Wed - 28 Mar 2018

تمثل الزيارة الحالية لولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى الولايات المتحدة الأمريكية علامة فارقة في تاريخ المملكة العربية السعودية، عطفا على النجاحات الكبيرة التي تحققت خلالها، والتي تتجاوز في أهميتها الاستراتيجية مجرد المكاسب الاقتصادية أو السياسية، إلى تحقيق أهداف استراتيجية بالغة الأهمية ظلت بلادنا تسعى وراءها طيلة السنوات الماضية، وتتمثل في تحويل اقتصاد المملكة من دولة استهلاكية إلى دولة منتجة، تشارك دول العالم المتقدم في تقديم منتجات صناعية حديثة بوسائل وأساليب عصرية، إضافة إلى تطوير الصناعات القائمة، واتباع طرق متطورة تؤدي إلى تقليل التكلفة ومضاعفة الإنتاج، وإيجاد جيل جديد من الشباب السعودي، بحيث يكون خلاقا وقادرا على استلام زمام المبادرة، وحمل لواء التحديث والتطوير، وتدريبه وفق أحدث الطرق، وربطه بنظرائه في الدول المتقدمة، ولن يتأتى تحقيق هذا الهدف إلا عبر التحول إلى ما بات يعرف باقتصاد المعرفة، القائم على الاستفادة القصوى من الاكتشافات الحديثة والمخترعات المتطورة.

لم يضع ولي العهد وقتا خلال زيارته، فقد التقى في نفس يوم وصوله بالرئيس الأمريكي دونالد ترمب، وعقد معه اجتماعا مثل قمة الشفافية والصراحة والمباشرة، وكان تبادل المصالح المشتركة عنوانا لذلك اللقاء، فالضيف القادم من بلاد الحرمين الشريفين كان يحمل في أجندته أهدافا محددة، تضمنتها خطة التحول الوطني 2020، ورؤية المملكة 2030، تتمثل في تطوير اقتصاد بلاده وفق أحدث ما توصلت إليه التكنولوجيا الحديثة، وتقليل الاعتماد على النفط كمورد رئيسي للدخل، واستغلال كافة موارد بلاده بما يحقق أهداف التنمية المستدامة، وفي الجانب الآخر كان المضيف الأمريكي الذي تتصدر بلاده دول العالم من حيث التقدم التكنولوجي والعلمي جاهزا للقيام بذلك الدور، وراغبا في ذات الوقت في الحصول على مكاسب اقتصادية نظير ذلك، وهو موقف طبيعي لا يستغربه إلا من لا يجيد قراءة أسس العلاقات الدولية التي تحكم العالم كله. فتبادل المنافع هو العنوان الأبرز في عالم الاقتصاد، وتلك حقيقة لا يتجادل عليها اثنان.

بعد ذلك تفرغ الأمير الشاب حامل لواء التجديد والتحديث لزيارة قلاع العلم والمعرفة في الولايات المتحدة، فزار الجامعات المرموقة، وتعرف على أساليب عملها، وتجول في أروقة المصانع الكبرى والشركات المرموقة، وناقش مع قادتها كيفية نقل التقنية المتقدمة وتوطينها في المملكة، ليس هذا فحسب بل وقع العديد من الاتفاقيات المشتركة التي تؤكد أن الاقتصاد السعودي على موعد لتحقيق نقلة غير مسبوقة، تضعه في مصاف دول العالم الرائدة صناعيا وتقنيا. حتى مصادر الدخل القائمة مثل حقول النفط والغاز وموارد الطاقة، شملتها مساعي التطوير والتحديث، حيث وقعت شركة أرامكو 13 اتفاقية، سوف تسهم حتما في تفعيل طرق وأساليب الإنتاج المتبعة حاليا، بما يؤدي إلى استمرار تلك المصادر في العطاء والإنتاج، ويضمن حق الأجيال المقبلة في الاستفادة من موارد البلاد. كذلك حققت مؤسسات القطاع الخاص مكاسب كبيرة، حيث وقع قادة كثير من الشركات السعودية المرافقون لولي العهد اتفاقيات مع رصفائهم في الشركات الأمريكية، وتم إجراء نقاش مستفيض، لا شك أنه سوف يثمر عن فتح آفاق جديدة للعمل التجاري.

أما مجال الصناعات العسكرية فقد شهد توقيع مذكرات تفاهم نوعية وغير مسبوقة، تمثلت في الاتفاق على نقل التقنية العسكرية وتوطينها في المملكة، حيث إن المعدات العسكرية التي وافقت واشنطن على بيعها للرياض سوف يتم تصنيع جزء كبير منها في أراضي المملكة، وتشارك في عملية تصنيعها كفاءات سعودية شابة ومؤهلة، وهو ما لم تقم الولايات المتحدة بفعله من قبل مع أي دولة أخرى، وهذا سيكون تمهيدا لإيجاد صناعات عسكرية سعودية متطورة، من المؤكد أنها سوف تشكل مصدرا معتبرا من مصادر الدخل.

الزيارة إجمالا حققت نجاحات لافتة، إلا أن النجاح غير المسبوق هو الذي يتعلق بتوطين التقنية، وإتاحة الفرصة للشباب السعودي للتعرف على أساليب التصنيع الحديثة، وامتلاك أدوات التقنية المتطورة، وهذه أول العناصر التي ركزت عليها رؤية المملكة 2030، قناعة بأن العنصر البشري هو أعز ما تملكه الدول، وتطويره يمثل أهم عناصر بقائها واستمرار عزتها وتواصل رقيها.