حنان المرحبي

الحكم في النوايا!

الجمعة - 09 مارس 2018

Fri - 09 Mar 2018

النوايا والفرضيات الخفية محل اهتمام المستمع الذي يبحث عن الحقيقة. هذه الجوانب الخفية باستطاعتها أن تفسر الدوافع للأقوال والأفعال الظاهرة، وباستطاعتها أن تفسر حتى الإيماءات والصمت. وقد يظن البعض أن البحث في النوايا هو عمل غير لائق بإنسان واع أو متعلم، لأن الحكم فيها غير مقبول ومن عمل الجاهلين. وهذا قول صحيح ويجعل الصمت وسيلة مثلى في حالة تعذر التواصل لوجود صعوبات في فهم الطرف الآخر أو استيعاب التناقض الذي يظهر على أقواله وأفعاله.

من الطبيعي أن تجد اختلافا ظاهرا في سمات الأفراد ولو كانوا ينتمون لعائلة أو ثقافة واحدة أو مجموعة تسعى إلى تحقيق أهداف مشتركة. فلكل واحد منا غرائز واحتياجات خاصة به، من بينها احتياجات أساسية كالأمن، والغذاء، والاحترام، والعلاقات السعيدة. وقدرتنا على التعاطي مع النقص الذي يصيبنا في أحد هذه الجوانب محكومة بمستوى الوعي وسعة التجارب التي خضناها فيها والخبرات التي تكونت لدينا حولها. لذلك نتفاوت في ردود الفعل، فمنا من يتقبل وجود النقص ما لم يكن مهددا لحياته، ويمضي في حال سبيله راضيا قانعا، ومنا من لا يتقبل، فيتخذ كل ما من شأنه أن يعينه على سده ولو جعله ذلك يبدو متناقضا أو غير ناضج. ويكون السبب الذي يدفعه لاتخاذ كل تلك الأفعال ولو تناقضت هو شيء واحد: سد حاجة أساسية في تقديره.

لهذا مهما اختلفت ردود الفعل، على الأغلب تعود جميعها لعدد من الاحتياجات الأساسية عند الجميع. لهذا من المعقول الحكم المبدئي على نوايا أحدهم حين تلاحظ عليه، على سبيل المثال، سلوكا غير مفهوم فتفترض وجود صعوبة لديه في التعاطي مع شعور شديد بنقص احتياج أساسي. وهذا ليس حكما اعتباطيا، ولكنه مبني على فهم للطبيعة الإنسانية، وقد يساعد على تفهم الحالة بعقلانية ودعمها كي تتخطى الأزمة وتصل للنضج الذي يعيد إليها التوازن مرة أخرى. التوازن العاطفي والاستقلالية ضرورة ملحة للشخصية الاجتماعية الناجحة.

هذا فيما يتعلق بفهم النوايا بناء على الاحتياجات والغرائز الداخلية. هناك أيضا سبيل آخر لفهم النوايا والفرضيات الخفية لردود الفعل دون أن يكون ذلك تصرفا اعتباطيا، وذلك يكون عن طريق فهم القيم والعادات والمفاهيم الثقافية للمجموعة التي ينتمي لها الفرد (الإطار البيئي المشتمل على الدين والتعليم والتربية والإعلام). الثقافة تحدد المقبول من الأقوال والأفعال والمرفوض منها، وتقرر الأفعال العصامية وكذلك الجالبة للعار. فهم القيم الثقافية يعطي مجالا كبيرا لفهم الدوافع والفرضيات الخفية. فحين يتخذ أحد الأفراد موقفا رافضا تجاه قضية جدلية فقد تعود مبرراته للقيم التي نشأ عليها ومحاولته الحفاظ على النظام الاجتماعي الذي يستمدها منه ويستمد المعنى لوجوده.

فإن سقط هذا النظام سقطت تلك القيم، ولهذا سيتخذ كل ردود الفعل التي يعتقد أنها ستحميها ولو أظهرته متناقضا أو غير ناضج.

لا المنطق ولا العلم من يحدد ردود الفعل، وإنما مدى فهم الإنسان لما يريد، واحتياجاته الأساسية والكمالية، والإطار الثقافي للبيئة التي ينتمي لها. وتكرار ردود الفعل تجاه مواقف معينة من قبل أفراد محددين على الأغلب يعود لانتماء ثقافي أو تنظيمي أو حزبي. هذه الجوانب تعطي تفسيرا أوليا للافتراضات الخفية والنوايا، وتقدم معاني أقرب للحقيقة من الأقوال والأفعال الظاهرة.

hanan_almarhabi@