عصير البرتقال وحمض الكبريتيك

(السبيل إلى حياة إنسانية سعيدة مزدهرة يتمثل في أن نحب الناس ونستخدم الأشياء، لا أن نحب الأشياء ونستخدم الناس). جون باول

(السبيل إلى حياة إنسانية سعيدة مزدهرة يتمثل في أن نحب الناس ونستخدم الأشياء، لا أن نحب الأشياء ونستخدم الناس). جون باول

الاثنين - 08 ديسمبر 2014

Mon - 08 Dec 2014



 



 



(السبيل إلى حياة إنسانية سعيدة مزدهرة يتمثل في أن نحب الناس ونستخدم الأشياء، لا أن نحب الأشياء ونستخدم الناس). جون باول

لماذا يفضل كثيرون تجرع المشروبات الغازية ومشروبات الطاقة بدلا من أكل برتقالة طازجة فواحة أو شرب عصيرها الزكي؟، وهل منا من يجهل مضار تلك المشروبات التي تبدأ من التسبب في تآكل الأسنان وهشاشة العظام ولا تنتهي عند قرحة الأمعاء؟ أم إنكم تعرفون شخصا عاقلا لا يعرف منافع البرتقال طازجا ومعصورا، وقدرته الفائقة على ترطيب الجسد وإمداده بما يحتاجه من فيتامينات ومعادن تقوي مناعته، وتمنحه القوة والطاقة بحسب الطبيعة وعلى طريقتها؟

ثم إن هذا البرتقال يُزرع لدينا، في أرضنا العربية، بينما الكولا والمشروبات ذات (الجوانح) وأشباهها تأتينا مستوردة، ندفع ثمنها بالعملة الصعبة التي نحن في أمس الحاجة لها.

ولذا يظل السؤال مؤرقا؛ لماذا نفضل مشروبات الغاز و(الجوانح) ونعاف البرتقال؟

الإجابة تكمن في أسئلة آخرى: هل شاهد أحدكم على شاشات التلفزيونات أو على صفحات الصحف والمجلات إعلانا واحدا عن البرتقال وفوائده الصحية ولذة طعمه يقدمه ليونيل ميسي أو كريستيانو رونالدو أو غيرهما من نجوم كرة القدم أصحاب الشعبية الجارفة؟

هل سمع أحدكم إعلانا عن عصير البرتقال بصوت نانسي عجرم أو عمرو دياب أو غيرهما من المشاهير أصحاب الشعبية الجارفة لدى الشباب العربي؟

وهل جشمت شركات التوزيع والتصنيع الغذائيين نفسها عناء إنتاج إعلان جذاب باهظ التكلفة يزعم أن عصير البرتقال يعطي من يشربونه (جوانح) فيسيل لعاب الصغار والكبار عليه طمعا في التحليق بعد التجرع؟

..

والإجابة واحدة على كل تلك الأسئلة: لا، لم يحدث قط..

فمشروبات الصودا والطاقة (المزعومة) تتمتع وحدها بعواصف لا ينقطع هبوبها من الإعلان والدعاية التي تلح على عقول الناس ليل نهار، وتغرس في لا وعيهم رسالة واحدة يجعلها تكرارها أشبه بعقيدة راسخة لا تقبل جدلا ولا نقدا: مشروبات الصودا والكولا ومشروبات الثور الأحمر والأزرق يمكنها تغيير حياتك المتواضعة الراهنة، وتحويلها برشفة واحدة إلى حياة مثيرة حافلة بالألوان والعطور والمغامرات والحسناوات.. إلخ وهو ما يسميه علماء السلوك البشري بـ(الارتباط الشرطي) إذ إن الإلحاح الإعلاني الذي يربط تلك المشروبات بصورة بعينها للحياة تتضمن شفتي المطربة وضحكتها وبراعة نجم الكرة ووسامة الممثل وتحليق البشر المجنحين.. هذا الإلحاح يترك بصمة غائرة في نفس (المتلقي) تظل كامنة في أعماقه حتى يرى العبوات المرصوصة في ثلاجة المحل، فيسيل لعابه الذهني فورا، وينسى كل المعلومات التي اجتهد في تحصيلها عن الضرر الفادح الذي يسببه الإفراط في شرب الكولا و(الجوانح)، وينحي عن ذهنه مشهد التجربة القصيرة التي شاهدها بعينيه على اليوتيوب حين نظف أحدهم الصدأ عن هيكل سيارته باستخدام أحد مشروبات الكولا!

الارتباط الشرطي هنا هو ظهور صورة المطربة الشابة الجميلة في مخيلتك فور أن تسمع كلمة كولا، وظهور صورة أجنحة الحرية والإثارة والمغامرة فور أن ترى مشروب الثور الأحمر!

فتقول لك نفسك، بضغط من هذا الارتباط الخبيث: إن الحياة الحلوة التي لا بد من أن هذا المشروب السحري سيمكنني أن أحياها ولو للحظات، تستحق نسيان كل التحذيرات بشأن المخاطر الصحية لمشروبات الصودا والطاقة، إن هذا المشروب الذي سأتجرعه الآن هو سبيلي إلى الحرية!!!

..

إن حملات الدعاية الكثيفة الخبيثة ذات التكاليف الباهظة تلك، بإمكانها إقناع السواد الأعظم من سكان المعمورة بأن شرب حمض الكبريتيك المركز هو السبيل إلى السعادة، وأن تجرع وقود الديزل سيجعل المراهق العربي شبيها بالخواجة جاستين بيبر، والمراهقة العربية شبيهة بملكة جمال كمبوديا!

..

نحن جميعا ضحايا لعملية (غسيل مخ) استهلاكية متوحشة، لا تتوقف لحظة واحدة عن مهاجمة عقولنا وطبقات وعينا المختلفة، لتحولنا جميعا إلى مجرد زبائن للبضاعة التي تحقق (لهم) الأرباح، و(لهم) هذه تعني وحوش الرأسمالية الكبار، الذين لا يشربون الكولا أبدا ولا مشروب الثور الأحمر، بل يشربون عصير البرتقال، لأنهم يريدون الحياة لأطول وقت ممكن، للاستمتاع بثرواتهم الطائلة، وبالتلاعب بنا.