شيطان البرد يستفز مغامري الرحلات العربية

«شيطان البرد»؛ ليست سوى الترجمة الحرفية لجبل كليمنجارو الواقع في شمال تنزانيا، والذي صنف ضمن قائمة اليونسكو لمواقع التراث العالمي

«شيطان البرد»؛ ليست سوى الترجمة الحرفية لجبل كليمنجارو الواقع في شمال تنزانيا، والذي صنف ضمن قائمة اليونسكو لمواقع التراث العالمي

السبت - 22 نوفمبر 2014

Sat - 22 Nov 2014



«شيطان البرد»؛ ليست سوى الترجمة الحرفية لجبل كليمنجارو الواقع في شمال تنزانيا، والذي صنف ضمن قائمة اليونسكو لمواقع التراث العالمي.

تكونه فوهات بركانية في أعلاه، مشكلة ثلاث قمم يسعى عشّاق المغامرة حول العالم وهواة تسلق الجبال، للوصول إليها، هي قمة كيبو التي تعد الأعلى؛ تليها ماوينسي ثم شيرا.

فيما تبلغ أعلى قمة للجبل 5,895 متراً عن سطح البحر وهي أوهورو؛ وتبلغ مساحته الإجمالية 2000 كلم مربع.



لماذا نريد صعود كليمنجارو؟



لم يأت قرار الصعود وتحديد قمة أوهورو هدفاً لمجموعة الشبان الأربعة خالد فواز وأحمد باقادر وهتان العسلي وعمرو خليفة، بين عشية وضحاها، هذا ما أوضحه عمرو خليفة أحد الشركاء في الرحلات العربية والذي تحدث عن الرحلة نيابة عن رفاقه فقال «أثناء بحثنا عن أماكن يمكنها أن تشكل تحديا حقيقيا لنا كهواة، تعثرنا على ما يسمى بالقمم السبعة، والتي كانت إحداها كليمنجارو، حتى لحظة قراءتنا عن هذه القمم، لم يكن حجم التحديات التي واجهناها في الرحلات العربية؛ تتجاوز الحدود السعودية، ووجدنا أن هذه القمم قد تشكل منعطفا على صعيد الخبرة؛ وتحديا يستفز حس المغامرة لمن يملك أدواتها».

يقول عمرو خليفة «قمنا بدراسة شاملة للموقع، واتصلنا بأشخاص سبق لهم زيارة الجبل؛ لمعرفة التجهيزات اللازمة؛ لم نوسع دائرة المجموعة التي ستنطلق، واكتفينا بأربعة أشخاص أنا وهتان العسلي وأحمد وخالد، وبدأنا بتجهيز أنفسنا قبل الانطلاق بشهرين، من ضمن الترتيبات التنسيق مع إحدى وكالات السياحة ومقدمي الخدمة بناشيونال بارك؛ التي يقع الجبل تحت إشرافها، وهي المعنية بوضع قوانين، أهمها وجود دليل ومساعدين لوصول القمة».



لماذا اخترنا أن نكون أربعة أشخاص فقط؟



يقول خليفة «تخوفاً من احتمال عدم الالتزام والقدرة على تحمل الرحلة؛ اكتفينا بأربعة أشخاص فقط، فيما جاء تعليقه عفويا على تساؤل خطر ببالي، عما إذا كانت هذه أول مرة يصعد فيها لجبل شيطان البرد، ليأتي الجواب «أول مرة وآخر مرة»! مستدركاً «كليمنجارو كانت هدفا وتم تحقيقه؛ الآن يجدر بنا البحث عن قمة أخرى تشكل تحديا جديدا».



اقرأ التعليمات قبل أن تقرر



قبل أن تحجز تذكرتك على الطيران الإثيوبي. عليك أن تقرأ التالي:



• إذا أردت المحافظة على التنفس بشكل منتظم؛ على ارتفاع يبدأ من 3800- ليصل إلى 5890؛ عليك أن تحتاط وتبدأ بتدريب نفسك على استخدام ماسكات الأوكسجين، في حال احتجت إليها، كما فعل خليفة وأصدقاؤه المغامرون.

• التدريب قبل الانطلاق على مرتفعات جبلية داخل أرضك، لتمرين العضلات على عملية الصعود والهبوط؛ لكن خذ بنصيحة خليفة وأصدقاؤه «لوعدنا للنقطة الأولى لاخترنا التدريب في منطقة واحدة وهي الوعبى، كونها كانت مماثلة لقمة اوهورو، ومجهدة بنفس الجهد وطبيعة الحركة للمفاصل».

• الحمولة قال عنها خليفة «الطبيعي أن تكون حمولة الحقيبة موزعة على منطقة الظهر، إلا أننا هذه المرة حاولنا تكثيفها في محاولة لتهيئة أنفسنا على ثقل أكبر عند الصعود».

• تطعيمات الحمى الصفراء، بالإضافة لتطعيمات أخرى.

• التجهيزات الفنية لم تتجاوز الفيزا؛ التي لم يأخذ استخراجها أكثر من أربعة أيام فقط.



هل أنت مهيأ نفسياً للصعود؟



هذا السؤال الذي يحمل الإجابة المفصلية لقرار الذهاب من عدمه، كاد أن يشكل عند عمرو وأصدقائه، مفترق طرق أو ينهي الرحلة قبل بدايتها؛ في ظل الحكايات التي سردها رحالة سابقون؛ أضافوا على «الجرح ملح»، ولم يخل الأمر من «تبهير»، كما وصفه عمرو؛ الأمر الذي جعل الفريق يطرح سؤالاً «هل نحن قادرون على الصعود، خصوصا أن ثلث من ذهب لم يتمكن من بلوغ القمة!».

لم يكلف اتخاذ القرار سوى تغيير طريقة التفكير السلبية، للضفة الإيجابية «وتحولنا للتفكير في كيفية صعود الجبل وهذا شكل فرقا حقيقيا على المستوى النفسي، بالإضافة لكوننا تحدثنا مع أشخاص كانت لهم تجربة مع صعود هذه القمة، ما ساعدنا على تكوين صورة لما يمكن أن نواجهه».



انتبه جيداً. هل فكرت ماذا سترتدي؟



يعتقد كثيرين أن تجهيز ملابس صوفية يقي البرودة بشكل كاف؛ إلا أن المسألة بدت معقدة قليلا، رغم أنها لم تتعد الجواكيت وبنطلونات وحذاء؛ لكن في حالة كليمنجارو يبدو أنه يتعلق «بطقس متغير على كل ارتفاع واجتماع طارئ لرموز الفصول الأربعة الشمس والبرد والمطر والثلج والرياح الشديدة، ناهيك عن جغرافية مكان تتباين بين الخضرة والبيئة الصخرية، وممرات مائية أحيانا إذا ما تهيأ المطر للنزول.

يقول عمرو «الملابس كانت عبارة عن طبقات، تحددها درجة حرارة كانت 20 في أسفل الجبل؛ وتنخفض تدريجيا عند الصعود، لتصل لما تحت الصفر، بالإضافة لتعرض الجسم لضربات شمس ما يسبب الشعور بالتعرق في جو بارد.

يجعلك بحاجة لخامة قماش تعمل بازدواجية طبقة للتدفئة وأخرى تبخر العرق من الداخل ونفس الشيء ينطبق على البنطلونات»؛ مضيفاً «جميع هذه الطبقات تلبس حسب الطقس، بالإضافة لجاكيت المطر الحاضر عند الحاجة إليه؛ إلا أن الملابس الفارقة كانت تلك التي تشبه زي رواد الفضاء، ظهرت الحاجة لها في أعلى الجبل».



أول نقطة على السطر



اليوم الأول:



سرد عمرو بعضا من لحظات اليوم الأول: المشي التاسعة صباحا لمدة أربع ساعات، لم تشكل تحديا حقيقيا، حتى وصولنا مخيم شيرا2، إلا أن الرحلة منها للوصول لمنطقة اللافا تاور والإقامة في برانكو، لم تخرج عن الشعور بالنوم وقليل من الدوخة، وهو أمر تلافاه فيستو بعدم التوقف حتى وصولنا لنجد الخيام منصوبة ومجهزة بالكامل.



من سجلات اليوم الأول:



• خيمة للنوم وخيمة الأكل وأخرى خاصة للطبخ، كان المساعدون يسبقونا لا تسأليني كيف؟• طاولة طعام عليها شمعتان، وصحن من شوربة الخيار، اعتبرتها خبرة جديدة ولذيذة جدا، لم يكن الطعام مجرد تحصيل حاصل فقط، حتى الإفطار كانوا حريصين على تقديم وجبة تساعدنا للحصول على جميع القيم الغذائية.

• يتحتم علينا النوم مبكرا بسبب البرد ناهيك عن عدم وجود أي أنشطة يمكن القيام بها في الليل، لأن الفريق ملتزم بالاستيقاظ في تمام السادسة صباحا وبدء المشي في السابعة والنصف.

• الوضوء لأداء صلاة الفجر في المراحل الأولى من الصعود، شكل صعوبة حقيقية لانخفاض درجات الحرارة، بالإضافة لمشكلة بطاريات الكاميرات بسبب درجة التجمد، حتى الشواحن عمرها الافتراضي في تلك الأجواء ليس طويلا.



بداية التحديات الحقيقية:



من على ارتفاع 3800-4600، أي ما بين شيرا2 واللافا تاور، بدأ فيستو في تقييم وضع الفريق بناء على مؤشرات منها: تحول الشفاه للون الأزرق، الصداع والخروج عن خط السير أثناء المشي، ناهيك عن توقفنا التام جميعا عن الكلام أثناء المشي في ظل خروج بعضنا عن الخط، بالإضافة لمعاناة البعض وظهور مشكلات النفس، التي بدأت أولى أعراضها في الإرهاق الشديد.



كيف تعامل فيستو؟



اعتمد وضع الأكثر هدوءا في المشي، في مقدمة الفريق، لضبط السرعة وبالتالي تنظيم عملية التنفس بشكل أكثر هدوءا، رغم أن المسألة لم تكن تتعدى المشي فقط، إلا أننا وصلنا لمرحلة أننا لم نعد قادرين على تعديل ربطة الحذاء كونها تتطلب مجهودا إضافيا.

- عند وصولنا برانكو بدا واضحا سيطرة هاجس، لكن البطل فيستو كان عنده الحل، مقترح فيستو بإسقاط مخيم من القائمة وعدم التوجه له، وحفظ يوم عناء ومشقة، والتخلي عن مشاهدة شروق الشمس أيضا له حسناته التي اكتشفناها لاحقا.



تغيير طفيف في الخطة، ماذا نتج عنه؟



جاء تغيير فيستو بالتحرك من كارنجو والتوجه إلى براكو التي وصلناها عصرا، ما أتاح لنا فرصة النوم للسابعة صباح اليوم التالي، والتحرك نحو القمة، هذا المقترح جاء بديلا عن التوجه نحو كرانكا والمشي حتى براكو والنوم فيها ومن القيام في منتصف الليل، لبلوغ القمة ومشاهدة شروق الشمس!سألنا فيستو: تحبوا تشوفوا الشروق؟ قلنا: لا! رغم أن تخوفا وحيدا كان ببالنا يتمثل في احتمال عدم قدرتنا على السير المتواصل نحو القمة، إلا أن المسألة كانت في صالحنا وقررنا تنفيذ خطة فيستو المنطقية واستبدال رومانسية الشروق على القمة، ببذل جهد أكبر للمتابعة نحو أوهورو.



الجلوس على حافة السماء



• «في منطقة بارافو وهي أول نقطة يُصعد منها للقمة، ظهر تحدٍ آخر للبرد ففي كل مئة متر تنخفض درجة الحرارة إلى درجتين، وبدأ استهلاك المياه يظهر بشكل أكبر بسبب صعوبة الصعود والمشي المتواصل، رغم عدم وجود شعور فعلي بالعطش؛ إلا أننا كنا نعمل على تذكير بعضنا بشرب الماء؛ لموازنة الضغط في أجسامنا وحتى لا نصل لمرحلة الجفاف».

• «في يوم صعود القمة لم نتناول إفطارا باستثناء مشروب دافئ وبارد ليساعدنا على الصعود لأوهورا؛ الت ي وصفها خليفة «أكثر مشي ممل، لخلوها من الطبيعة على مدى سبع ساعات منظر صخري فقط لا غير وبجهد على ارتفاع 1000م؛ ومسافة كيلو وللحظة طرح الجميع على نفسه سؤالا «ايش جابني هنا؟»• بدا فيستو بقياس نسبة الأوكسجين، ومعدل ضربات القلب، لأنه المفروض في مثل هذه الارتفاعات الطبيعي 70-80. لأننا أصبحنا نطلق نفسا بين كل نقلة رجل وأخرى.

• كانت سرعة الرياح ربما أكثر من 120 كلم، بالإضافة لدرجة برودة؛ أفقدتنا الشعور بأصابعنا داخل القفازات على مدى الساعات السبع؛ ناهيك عن شمس ساطعة أبت إلا أن تعمل شقوقاً في شفاهنا!• مشاهدة أعقاب سجائر في طريق الصعود للقمة، أشعلت علامات استفهام داخل رأس كل منا! «من هؤلاء الجبابرة القادرين على التدخين في هكذا منطقة وهكذا أجواء؟».

وصفهم فيستو بـ«المجانين».



ليس آخراً. ستيلا بوينت:



• «مشاعر مختلطة لدى وصولنا ستيلا بوينت، التفكير متوقف لحظات لاستيعاب الموقف على مدى خمس دقائق، وفجأة وجدنا أحمد يسبق فيستو، الهواء كان قويا جدا ولا يمكن مشاهدة المناظر في الأسفل لأن السحاب يلحف القمة ومؤشرات مناخية تُنبئ بقرب سقوط الثلوج والأمطار.

• صحياً الجلوس في الأعلى لا يمكن أن يزيد عن عشر دقائق إلى ربع ساعة، بدأنا خلالها التصوير وتركيز الأعلام التي منها علم السعودية.



هل انتهينا؟ ليس بعد



هل سمعت عن سكر الارتفاعات؟ تلك حالة عاشها الفريق مع واحد من الأبطال الأربعة، أعراضها ليست واضحة، بدا بطلنا طبيعيا للحد الأقصى، لكن لو ركزت نظرك نحوه، ستعرف أنه يعاني من «هبل» ليس على مستوى ردود الأفعال، بل انهيار نفسي تام وحالة بكاء شديدة، تجسدت خيالاً قال له: «هناك مخطط لقتلك»! ماذا ستفعل؟ اضرب فيستو.

إلا أن القائد تمكن من السيطرة على الوضع، بحكم الخبرة وكم الحالات التي مرت عليه.



الرجوع للنقطة صفر



يقول عمرو «عندما قررنا النزول اكتشفنا أن علينا تشغيل عضلات لم نعمل على تشغيلها يوما، منها القدم نفسها والأصابع، خصوصا أن الجسم يقوم بسحبك أثناء عملية النزول، ولأن نزول الجبل ليس كالصعود إليه، ظهرت صعوبات السرعة الكبيرة والوقت القصير والجهد الكبير، أوقات نستخدم آلية الزحف وفي مرحلة متقدمة اضطررت للقفز لتجاوز أكثر من خطوة ولم ننزل من نفس طريق الصعود وسعنا قطر دائرة الهبوط حتى نتمكن من المشي».



هاكونا ماتاتا في أحضان مزارع البن



يقول عمرو «تحركنا في الثاني من أكتوبر، الذي توافق مع إجازة الحج، على متن الخطوط الإثيوبية من جدة إلى أديس أبابا، مدة الرحلة كانت 3 ساعات، توقفنا ترانزيت ساعتين، ومنها لمطار كليمنجارو لمدة ساعة، تم استقبالنا في المطار، نزلنا في قرية موشي التي تطل على كليمنجارو، قرية سكانها ودودون أقرب للفقر لكنها تحظى بمقومات سياحية، أروع ما فيها مزارع البن والخبرة الجديدة إذا كنت من عشاق القهوة».



قبل يوم الصعود ماذا فعل عمرو وفريقه؟



«فيستو» كلمة مفتاحية ليست سوى قائد الفريق، الذي رشحته الوكالة ليكون المرشد، اجتمعوا به في لقاء تعارف لفه الضحك والمرح، لتأتي بعده المفاجأة التي لم يتوقعها الفريق الذي حسب أنه اكتمل بانضمام فيستو فقط! لكن يبدو أن العدد الإجمالي أكثر من فريق كرة قدم، «ثمانية عشر شخصا، تم توزيعهم كالتالي: ثلاثة لحمل الأغراض الشخصية الخاصة بكل واحد منا؛ وهذا يعد قانونا من الناشيونال بارك، التي تعتمد قائدين اثنين ومساعدين في حال زاد عدد المتسلقين عن 2؛ بالإضافة للطباخ والويتر وآخر لحمل خيمة الطهي؛ ببساطة الرحلة كانت فايف ستار».

ليس هذا فحسب، بل اعتمدت الإدارة المشرفة على الجبل، وزن الحمولة التي يحملها المتسلقون، داخل حقيبة الظهر، «لا تتجاوز العشرة كجم، وتضم فقط احتياجاتنا الشخصية»، ومن الأشياء المهمة الحرص على وجود خزان مياه في حقائب الظهر، كون طريق الصعود تنقطع فيه المياه، ويبدأ الاعتماد على المياه النازلة من الجبل، ويتطلب أحيانا التوقف في المخيمات للحصول على الماء.



صباح الخير.مشينا!



يحكي عمرو «تحركنا في التاسعة صباحا من اليوم الثالث، وصلنا للناشيونال بارك وسجلنا الدخول وأرقام الجوازات؛ وهو أمر يجري عند المرور بكل المخيمات، التي تؤدي لصعود كليمنجارو، وهناك سبعة خطوط للوصول للقمة وهي شيرا، لموشو، مشامي، ممبويه، مارنجو، مويكه، مانجاي، خطتنا في البداية كانت الصعود عبر لموشو ويستغرق ستة أيام؛ إلا أن لقاء فيستو اقترح علينا خطة تتلاءم وطبيعة المنطقة التي قدمنا منها؛ التغيير كان عدم التوقف عند غابة الأمطار وتضييع يوم كامل، بالإضافة لعدم التوقف عند مخيم شيرا، وبالتالي مررنا بأربعة مخيمات؛ أقمنا في ثلاثة منها؛ أثناء رحلة الصعود، واثنين منها في الهبوط».