فرحة التوطين وهواجس التستر

الأربعاء - 07 فبراير 2018

Wed - 07 Feb 2018

فرحة طاغية وتأييد كبير قابل به كثيرون القرار الذي أصدره وزير العمل والتنمية الاجتماعية، علي بن ناصر الغفيص، بقصر العمل في منافذ البيع لحوالي 12 نشاطا على السعوديين والسعوديات ابتداء من مطلع العام الهجري المقبل، ومنبع الفرحة واضح للجميع هو أن القرار يشمل معظم القطاعات الرئيسية في الاقتصاد السعودي، مثل محال الساعات، والنظارات، والأجهزة والمعدات الطبية، والأجهزة الكهربائية والالكترونية، وقطع غيار السيارات، ومواد الإعمار والبناء، والسجاد والمفروشات، والسيارات والدراجات النارية، والأثاث المنزلي والمكتبي، والملابس الجاهزة وملابس الأطفال والمستلزمات الرجالية، والأواني المنزلية، والحلويات، ومعظم الوظائف المتعلقة بهذه المهن، إن لم يكن كلها شبه محتكرة في الوقت الحالي للأيدي العاملة الوافدة، وتسيطر عليها جنسيات بعينها.

ورغم أن القرار كان واضحا، بسعودة جميع الوظائف المتعلقة بالبيع داخل المحلات، مثل الكاشير، والمشرفين، والمحاسبين، والبائعين، إلا أن المخاوف سرعان ما ارتفعت من إمكانية لجوء من اعتادوا الالتفاف على مثل هذه القرارات لألاعيبهم القديمة، كأن يتم تحويل المحاسبين إلى مكاتب أخرى خارج محلات البيع، والاكتفاء بوجود الباعة والكاشيرات فقط داخل المحلات،وبرواتب زهيدة لا تشكل بالتأكيد عنصر جذب للشباب السعودي، أو أن يكون دوام المشرفين غير منتظم، بأن يكون مفتوحا، حتى لا يتم اعتبارهم مداومين داخل المحلات، أو استحداث وظائف أخرى لعمال أجانب داخل المحلات، مثل ضبط الجودة، أو المشتريات، على أن يمارسوا في الوقت نفسه نفس المهام المتعلقة بالوظائف التي تمت سعودتها.

هذه المخاوف لم يكن منبعها الإفراط في التشاؤم، إنما نتجت عن سابق تجارب مشابهة، لذلك فإن القرار ينبغي أن يلحق بقرار آخر يشتمل على فقرة واضحة تمنع عمل محاسبين أو مشرفين أجانب في هذه المهن، ولو كانوا في مكاتب منفصلة، وأن يتم تحديد رواتب العاملين السعوديين في تلك المحلات وفق أسس وضوابط موضوعة سلفا، والتشدد الصارم في تطبيق القرار، وإنزال عقوبات مغلظة بحق المخالفين، لأن الذين يتوجسون من وجود شبابنا داخل محلاتهم، وما زالت عقلياتهم مليئة بأفكار سالبة عنهم منذ سنوات طويلة لن يعجزوا عن مواصلة ذات الممارسات التي كانوا يتبعونها في الماضي.

ورغم تلك المخاوف، إلا أن نافذة الأمل تبقى مشرعة، لأننا في عصر جديد، وظروف مختلفة، وتحت ظل قيادة أبدت حرصا كبيرا على تقليل البطالة وسط الشباب، وجعلت ذلك في مقدمة استراتيجيتها لتحقيق النهضة، ممثلة في خطة التحول الوطني 2020، رؤية المملكة 2030، ولا شك أن هذه القيادة لن تتوانى أو تتساهل مع كل من يحاول إفراغ مثل هذه القرارات من مضمونها، وسوف تتعامل معهم بما يستحقونه من حسم وردع. كما أن وجود فترة تقارب ثمانية أشهر على بدء تطبيق القرار يمنح أصحاب تلك المنشآت فرصة كافية لاستقطاب الشباب السعودي، وتدريب من يحتاج منهم للتأهيل.

هذه الوظائف – حسب إحصاءات حقيقية مستمدة من واقع السوق – يمكن أن توفر فورا مئات الآلاف من الفرص الوظيفية لشبابنا، الذين ما زال كثيرون منهم مجبرين على التحرك في مساحة محدودة لا تتجاوز موظفي الاستقبال أو أفراد الحراسة الخاصة، رغم أن كثيرين منهم يملكون الكفاءة والرغبة في شغل وظائف أخرى لا تحتاج لسنوات خبرة طويلة، وزيارة بسيطة لأي من مجمعات التسوق الكبرى يمكنها أن تجيب على من يتشككون في ذلك، فسوف يفاجؤون حتما بأعداد كبيرة من الشباب السعودي وهم يذرعون تلك الأماكن جيئة وذهابا، بحثا عن وظيفة مناسبة تكفل لهم العيش الكريم في وطنهم، لكنهم يصطدمون للأسف ببعض أبناء جلدتهم الذين انحسرت في دواخلهم مشاعر الوطنية، ولم يعودوا يملكون القدرة على النظر إلى آفاق تتجاوز ذواتهم الضيقة ومصالحهم الخاصة.