ما وراء النافذة

الجمعة - 02 فبراير 2018

Fri - 02 Feb 2018

بين الانغلاق الإعلامي الذي خيم على مجتمعاتنا لعقود من الزمن والانفتاح الذي نعيشه اليوم فجوة كبيرة، أفرزت بعض التشوهات الفكرية التي تجاوزت كل الحدود، فلم يعد هناك قيود تحول دون بلوغ المعلومة، أو ستار يحجب عورات عقول صابئة.

ومما ابتلينا به في مجتمعنا اليوم أولئك المتطفلون على الكتابة والإعلام، فتجد أحدهم يهرف بما لا يعرف وينثر جهله بين متابعيه ليبلغ الرضى وما هو ببالغه، تنتشر تفاهاتهم كالنار في الهشيم، تلاحقك ولو كنت في برج الأخلاق العاجي، ثم يأتي من بعدهم قوم تويتر والسناب وما هو في فضائهما ممن أضاعوا كل قيمة ومبدأ واتبعوا شهواتهم فسوف يلقون حظهم من الخزي والتيه. وكأننا في زمن ساد فيه من لا قبلة له ولا متاع، فجور في الخصومة وبذاءة في الألفاظ، متجاوزين كل خطوط الطيف بلا خجل ولا وجل، فكر أجوف ومفردات تؤذي المسامع وتلوث الأذهان، بضاعة كاسدة لن تجد لها رواجا في زماننا، وكل ما نخشاه هو أن ينشأ جيل لا يجد في الوسط إلا مخلفاتهم فيقتات بها.

وهذا ما جعلنا نحن للماضي الجميل الذي كانت وسائل التواصل فيه محدودة ومقيدة بالقيم السامية، التي سمت بمحتواها لتفرض على المجتمع احترامها، ورغم ضعف بعض جوانبها إلا أنها جسدت الواقع الحقيقي فتقبل الشارع كل ما يطرح عبر نوافذها. فكانت وسائل الإعلام منارة للمعرفة، يخيل للمتلقي أنه في فصل دراسي يتعلم الأدب واللغة وكل فنون الحياة، والكاتب في ذلك العهد يتحرى الصدق لينشد الحقيقة، وإثبات ذلك بقوة الحجة التي تحمل في ثناياها روح الفكر وسلامة الرؤية، تحقيقا لمبدأ الرأي والرأي الآخر.

لذلك اتسم الوسط الفكري بمنهج التعايش بكل تياراته المتصارعة بحروف الكلمة والبلاغة الجاذبة، فإن لم يحملك الكاتب إلى ضفافه وشواطئه حملت عذوبة لفظه وجمال مفرداته، وخرج المتلقي بفائدة في كل الحالات.

وما بين ماض شحيح بثياب العفة وحاضر كثير كغثاء السيل، نتساءل هل النعمة باتت نقمة بسوء فهمنا وقلة إدراكنا بأن عالم اليوم تجاوز القرية الواحدة إلى ما دون ذلك، فهو كقطرة ماء تحت عدسة المجهر، الذي يفرز من تلقاء نفسه الخبيث من الطيب، فإن لم تزد بقولك معرفة رمتك سهام النقد بما تستحق. فمتى ندرك بأن الكلمة أمانة والطيب منها صدقة، واستشعار أن (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد) وأن المؤمن ليس بالطعان ولا الفاحش البذيء، فكل نافذة لا تبدد الظلام وتنشر شعاع الخيرية وبناء العقول هي شر محض تستوجب التعامل معها بحذر.

وما من كاتب إلا سيفنى

ويبقي الدهر ما كتبت يداه

فلا تكتب بكفك غير شيء

يسرك في القيامة أن تراه

الأكثر قراءة