مشروع القصر الأحمر

الجمعة - 26 يناير 2018

Fri - 26 Jan 2018

الرياض عاصمة يشبه حالها حال الكثير من العواصم في العالم من جهة تركيزها على الطابع المدني والمظاهر الحضارية والأنماط المعمارية المحدثة ومسابقة الزمن لتحقيق نهضة عمرانية شاملة، لكنها لا تشبه حال الكثير منها في حفظ ما تبقى من منجزات الأولين وتراثهم ومساكنهم، رغم أن جولة مركزة في أحيائها العتيقة ستكتشف أن في أحشائها منجما زاخرا بأطلال قصور قديمة أصابها البلى بفعل التقادم، من يشاهدها يقف أمامها شاخصة أبصاره ترهقه الفتنة والإعجاب بها والأسى على حالها الذي وصلت إليه، فبعد أن كانت منارات تلتوي لها الأعناق وترنو إليها الأبصار وتتصورها مخيلات الشباب تحولت إلى مكب للنفايات أو جدران تستخدم لأدب الشوارع الرخيص أو مستقرا للعمالة الوافدة وهذا أحسن أحوالها.

وحض الناشئة بدفعهم للاطلاع على تاريخ بلدهم ومعرفة قادته وشخوصه ورجاله دون العمل على توفير أماكن تمدهم بهذه المعرفة طلب عبثي لا يوصل إلى نتيجة، فالاعتماد على الكتاب لوحده اعتماد ناقص، إذ لا يستطيع الكتاب أن يقدم مادة معرفية متكاملة يسهل فهمها، بل يحتاج إلى ما يسنده من مشاهد بصرية ومعالم حية ترسخ في الذهن وتبقى في ذاكرة المشاهد أمدا أطول مما يقرؤه أو يسمعه.

وعندي يقين لا يخالطه شك أن جل السعوديين يجهلون أن لديهم قصرا شامخا يتكئ وسط العاصمة اسمه (الحمراء) أشرف على بنائه في منتصف الستينات الهجرية المعلم حمد بن قباع، وكان هدية من الملك المؤسس لابنه الأمير سعود، وهو أول بناء خرساني في مدينة الرياض، لكنه اليوم خاو على عروشه، أصابه الوهن والوجع والذبول والإحباط نتيجة تهميشه وإهمال رعايته رغم أهميته التاريخية والسياسية والحضارية، ودوره الريادي في المساهمة في صناعة تاريخ المملكة، ولا أعرف ما الذي يعطل الاستفادة منه كمتحف ينضم إلى عائلة متاحف الرياض الصغيرة!

وكما غمرتنا السعادة بمشروع القدية ومن بعده مشروع البحر الأحمر الذي سيحول بدوره المملكة إلى وجهة سياحية مقصودة فإننا بانتظار مشروع (القصر الأحمر)، يعنى بترميم القصور والآثار والعناية بها وإعادة إعمار ما تبقى منها ونفض الغبار الذي تراكم فوقها جراء سنوات الضياع التي مرت عليها وانتشالها من غياهب النسيان ونفخ روحها مجددا وإعادة الوهج لها، وإن لم يتيسر لنا ذلك فآمل أن لا يطأها التمدد العمراني والتوسع المدني، وتنجو من جرافات الهدم محتفظة بترهلها وشيخوختها.