الكتابة أكبر مغامرة في أعماق الذات

السبت - 20 يناير 2018

Sat - 20 Jan 2018

عندما يكتب الإنسان نصوصا شعرية، أو عندما يكتب عن الإبداع الفني، يحس أنه قد انتقل من مرحلة إلى أخرى بغض النظر عن الضرب الذي كتب فيه، لأن الكتابة في الأصل هي الداء الحقيقي للدواخل، وتكون الكلمات في صراع حاد مع المشاعر عندما تختلج الدواخل، حيث تخرج الكلمات في شكل أبيات شعرية أو كلمات تهتز لها الأعماق.

ومن خلال الكتابة يمكن لأي شخص معرفة الخطوط العريضة عن حياة الكاتب «ماذا يحب، وماذا يكره..»، كل على هامش كتاباته، وفي بعض الأحيان معرفة المزاج؛ لأن الكاتب يعيش كل التجارب حتى تتكدس فوق بعضها ثم تتخمر وتتعتق، وفجأة تنفجر أعماقه بالشعر والكلمات الدافئة.

وحين تصبح الكلمات بحرا يفيض بالمشاعر، تستقر كل الكلمات في الوجدان المرهف، وتكون وجهة نظر داخلية غير متوجهة للخارج، ثم يفسح المجال للنقاد، ومنها يدخل الناقد إلى أعماق الكاتب من أوسع أبوابه، فالكتابة مهنة حميمية أو حتى شبه مرضية لا يقدر عليها إلا المصابون المجروحون من الداخل. وإن التصور للكتابة الشعرية تصور لا يحتمل المساومات، وهنا تكمن عبقرية الكتابة، فالكاتب قبل أن ينخرط في عملية الإبداع الأدبي لا يعرف من هو حقيقة، ولا إلى أي نتيجة ستقوده قدماه، وبالتالي فهو يبدع نفسه أولا، قبل أن يبدع كتاباته، والشعر أكبر مغامرة في أعماق الذات. وهكذا تصبح عملية الإبداع أكبر مما كنا نتصور، فالفنان يبتكر نفسه من خلالها، إنها إعادة خلق للذات بكل بساطة، فنحن لا نعرف من نحن في البداية، بل إننا عبارة عن مادة خام أو جملة إمكانيات واحتمالات افتراضية، والإبداع هو الذي يساعدنا على اكتشاف القارات السحيقة التي تكمن في دواخلنا. وهكذا يقودنا الإبداع إلى ذواتنا، ويشعرنا بهويتنا الشخصية، ويجعلنا نعرف من نحن على وجه هذه الأرض، وما الفرق بيننا وبين الآخرين. بهذا المعنى فإن الإبداع هو عملية استكشاف لمتاهات الذات الداخلية: أي للقارات المجهولة وغير المرئية.

لا أريد أن أفصل بين الفن والحياة، وذلك لأنهما يمتلكان المعنى نفسه في كل المناسبات والأزمان. أما الفن، فهو لا يعطي نفسه بسهولة أو من الضربة الأولى، الفن لا يزال أمامنا، وكذلك الشعر.. وما معنى عالم بلا شعر أو حياة بلا شعر؟

الأكثر قراءة