حمود الباهلي

بحلقة في مطعم

الخميس - 11 يناير 2018

Thu - 11 Jan 2018

توجهت صباحا لمطعم لتناول وجبة الإفطار، أجواء المطعم عادة ما تكون لطيفة في الصباح، لكن عكر علي مزاجي وجود شاب (بحلق) بي أول ما دخلت المكان! بالطبع لم يكن في لبسي أو مشيتي ما يستدعي (البحلقة)، لكن هكذا يتصرف من لم يتلق التربية الكافية.

طلبت فطوري وهو فطور تقليدي (كوب شاي وزعتر)، وبحثت عن مكان أجلس فيه، للأسف لم أجد مكانا شاغرا سوى بجانب السيد (بحلقة)، الذي كان كل الجالسين باستثنائه منصرفين لشاشات جوالاتهم، وأثناء انتظار الطلب، كتبت مسودة الخاطرة على الفاتورة، حيث لم تكن لدي أوراق.

منذ فترة، شكوت لزميل ما أجده من حرج من تركيز البعض ممن لا أعرف في الأماكن العامة نظراتهم نحوي، كنت أحتار في كيفية التصرف المناسب، فكان بيننا هذا الحوار:

أنا: أتضايق كثيرا إذا ذهبت لمكان عام وركز شاب نظره نحوي، بالطبع للفتيات كامل الحرية في تركيز النظر!

الصديق: من القواعد التي تحكم سلوكي (اللي يخزني.. أخزه)!

أنا: ماذا تفعل إذا أصر الطرف الآخر على أن (يخزك)

الصديق: ممكن يتطور الموقف إلى تشابك بالأيدي!

أنا: ماذا لو كان الطرف الآخر مفتول العضلات، ضعيف العقل أو حسب التعبير الشعبي (خبل ومتعافي)؟

الصديق: والله مو مشكلتي إذا كنت أنت رخمة!

سافرت قبل فترة مع زوجتي لخارج المملكة، وصادف البلد الذي زرناه تواجد للسعوديين فيه، للأسف كانوا يركزون أنظارهم نحونا بشكل مزعج، لما رجعنا من السفر، تحدثت مع زملاء العمل عن هذا السلوك.

كنت أتساءل إذا كنت سعوديا وكل حياتك في السعودية ما الشيء المميز في السعودي إذا وجدته في بلد خارج السعودية بحيث تركز نظرك نحوه؟ أجابني زميل عمل: أعترف أنني ممن يركز بصره على الآخرين، سواء داخل السعودية أو خارجها، والسبب أنها مادة خصبة للقصص!

قلت: كيف؟

قال: مثلا، عندما تكون في النمسا وتمر من أمامك فتاة نمساوية جميلة جدا مع رجل كبير بالسن، تكون فرصة لك إذا جلست مجلسا أن يكون من ضمن المواضيع التي تتداولها في المجلس، كيف ارتبطت فتاة جميلة برجل بعمر أبيها؟

يردف الصديق، عندما أسافر، أتفحص من حولي لكن يحظى السعوديون بالنصيب الأوفر، عندما تتحدث عن ثلاث فتيات فرنسيات جلسن بالقرب منك في باريس لا ينتبه من حولك للقصة مثلما عندما تكون القصة عن ثلاث فتيات سعوديات في باريس.

قبل سنوات، قابلت ممرضة أسكتلندية في سدني، تشعب بنا الحديث حول سلوك الشعوب في الأماكن العامة، قالت لي: لاحظت من خلال خبرتي وعملي أن معظم العرب نظراتهم حادة جدا، يركزون أنظارهم عليك بشكل وقح أحيانا. ثم أردفت، عندما أسير في الشارع أو أجلس في مقهى، بالتأكيد لا أتصرف كعمياء، لكن أكتفي بلمحة قصيرة على من حولي. وأعتبر سلوك من يتفحص الآخرين لا لشيء سوى مجرد فضول! سلوكا بدائيا.

يفسر صديق له اهتمام بتخصص الأنثربولوجيا هذا السلوك بأن الحياة كانت في الجزيرة العربية رتيبة جدا ونمطية، لا تنوع فيها، إذا تحرك أحدهم ولو حركة يسيرة، يركز من هم حوله أنظارهم نحوه، فهم يبحثون عن أي شيء يكسر الجمود.

نظرا لترسخ هذا السلوك في العرب، حيث إنه لازمهم لقرون، نحتاج للتخلص منه مدة طويلة.

هذا سلوك مزعج كما أنه يشوه صورتنا كمجتمع أمام زوار البلد، ولنكن صرحاء، هذا السلوك منتشر بيننا بنسب متفاوتة، ولا يمكن التخلص منه حاليا، لكن بيدنا أن نركز على الأجيال القادمة من خلال التربية في البيت والتوعية في المدرسة ووسائل الإعلام.