محمد عبدالكريم المطيري

قصة رأس المال الاجتماعي

الأربعاء - 03 يناير 2018

Wed - 03 Jan 2018

لم أعلم أن لمفهوم رأس المال الاجتماعي (Social Capital) بعدا أعمق، عدا الاستفادة من العلاقات الاجتماعية للحصول على فرص أفضل وللتطور الوظيفي.

لم أعتقد أنه مفهوم شامل يرتبط ارتباطا وثيقا بتنمية المجتمع وترابط أفراده وتوحيد جهودهم لما فيه المصلحة العامة.

قبل أن أتعمق في مدى شمولية وعمق تأثير هذا المفهوم على المستوى الشخصي، وعلى مستوى المؤسسات والمجتمع، سأخبركم قصة هذا المفهوم. ظهور هذا المفهوم في الأدبيات الغربية كفكرة قديم للغاية، ولكن ظهوره كمصطلح كان في عام 1916 وبدأ في الانتشار في دراسات العديد من الباحثين في علم الاجتماع والسياسة من أمثال Coleman، Bourdieu وبلغ ذروته لدى Putnam حتى أصبح يعتبر من أعظم النظريات التي تفسر وتحلل العلاقات والتبادل الاجتماعي على الإطلاق.

نشأتها وأهميتها في الدول الغربية مفهومة في ظل الرأسمالية الجشعة التي تهدف لتنمية المجتمعات وتطويرها عن طريق المنافسة المحتدة بين مؤسسات لا ترى إلا الربح غاية أسمى من جميع الغايات الأخرى، بيئة قاسية كهذه لها تأثيرها العميق على الفرد وثقته بالآخر داخل المنظومة الاجتماعية.

العظيم في النظريات الغربية بالعموم هو عدم توقفها عن التطور والتداخل والتوسع، فلهذه النظرية مساران رئيسان، يسعى المسار الأول فيها لمحاولة فهم الفرد وكيفية تفاعله داخل شبكته الاجتماعية، إما بالاستفادة من الروابط العاطفية التي تجمعه مع الآخرين داخل المجموعة التي ينتمي لها كالعائلة والأصدقاء وغيرهم، أو سعيه للاستفادة من الروابط الأقل متانة لتمهد طريقه لشبكات اجتماعية أخرى، لتمكنه من المعلومات والفرص والموارد التي بحوزة الأفراد في تلك الشبكات الجديدة.

أما المسار الآخر فهو أكثر شمولية ويهدف لفهم ماهية العوامل الداخلية التي تجعل الأفراد داخل المجموعة الاجتماعية مترابطين، وتدفعهم للتعاون مع بعضهم البعض للوصول أو لخدمة المصلحة العامة. هناك العديد من العوامل الرئيسية التي يراها الباحثون محركا أو مصدرا لتكوين رأس المال الاجتماعي مثل العادات الاجتماعية التي تعزز أو تردع الترابط الاجتماعي، مستوى الثقة بين الأفراد بين المجتمع والتي تعتبر لدى العديد من الباحثين مثل فوكاياما محركا رئيسيا لزيادة إنتاجية المجتمع وترابطه، والعقوبات غير الرسمية التي تتكون في المجتمعات كنوع لردع الأفعال غير المقبولة داخل المجتمع.

تختلف هذه العقوبات في حدتها من الإقصاء التام إلى تشويه السمعة وغيرها من العقوبات. المجتمعات الغربية يغلب عليها طابع الفردية والاستقلالية ونقص أو عدم وجود الروابط الاجتماعية بين أفرادها، ولذلك تجدهم يبحثون عن مزيد من الترابط من خلال توفير مؤسسات مدنية على مستوى الأحياء والمدن في مختلف الأنشطة؛ لتعزز بذلك انتماء الفرد وإحساسه بالمجتمع المحيط به.

تجد النقيض من ذلك في المجتمع السعودي، فالروابط موجودة والتفاعل الاجتماعي موجود، والمجتمع إلى حد ما يهتم الفرد فيه بالفرد الآخر في بيئة الأسرة والحي وبيئة العمل، ولكن للأسف هناك خلل وتعارض في المصالح، فنجد الموظف يقدم مصلحة أخيه أو ابن قبيلته أو منطقته أو جاره على مصلحة العمل، كما أن الأفراد يهتمون بمصالحهم الشخصية ومصالح الأشخاص الذين ينتمون لنفس الفئة الاجتماعية ولو على سبيل المصلحة العامة.

فبدلا من أن نستفيد من العادات الاجتماعية التي تعزز خدمة الآخرين والجيران والمحتاجين ومن مستوى الثقة العالي بين أفراد المجتمع ونوجهه تجاه تحقيق وتعزيز المصلحة العامة وتطور ورفعة المجتمع، أدت هذه العادات إلى الإخلال بمستوى العدالة وفقدان الثقة بالنظام والمؤسسات؛ بسبب أن كل المصالح أولى ماعدا المصلحة العامة.

لا بد أن تأتي المصلحة العامة أولا على المستوى الاجتماعي، ومصلحة العمل أولا على المستوى الإداري حتى نستفيد من مثل هذا الترابط الذي تبحث عنه المجتمعات الغربية بيأس وحرقة.

الأكثر قراءة

جميلة عادل فته

رجال الأمن.. رجال