من خطب الجمعة

السبت - 30 ديسمبر 2017

Sat - 30 Dec 2017

أصول الدين

«إن من العوامل التي كتب الله بها الخلود والبقاء والدين والإسلام وضمن له الحفظ والصيانة من التحريف والتبديل أن جعله سبحانه قائما على أصول ثابتة، وأركان متقنة، ومحكمات مشيدة كفلت له أن يبقى عزيزا شامخا ثابتا ثبوت الرواسي، بل أشد مع كل ما تعرض له هذا الدين من عاديات الزمن والمحاولات الحاقدة من الأعداء التي مارسوها ضده لهدمه ونقضه وتشويهه أو صهره وتذويبه منذ فجر الإسلام وإلى عصورنا هذه المتأخرة التي يشهد العالم فيها هذا الانفتاح الفكري والثقافي والإعلامي الهائل الذي يشكل في الحقيقة حالة فريدة لم تحصل في تاريخ البشرية قط، وقد أسهم هذا الانفتاح الهائل في عبور آلاف الأفكار المضادة والآراء المتطرفة والثقافات الوافدة والقيم الغريبة على المجتمع المسلم التي كان لها تأثير لا ينكر على عقول وقلوب فئات من الناس، مما فتح الباب على مصراعيه لفتن الشبهات والشهوات أن تنخر في الأمة بغية إضعافها.

إن الاعتصام بمحكمات الشريعة وثوابتها المحكمة أصبح اليوم أكثر ضرورة من ذي قبل، فالمسلمون بأمس الحاجة إليها وإلى تعلمها ودراستها وإشاعتها بين أفراد المجتمع وبناء الخطاب العلمي الدعوي والفكري والإعلامي عليها ويوم أن كانت محكمات الشريعة وأصولها حاضرة في أذهان المسلمين الأوائل سلمت لهم عقائدهم وأخلاقهم وقيمهم وعاشوا في أمن فكري وعقدي ومجتمعي متيقظين لكل الواردات والآفات الوافدات، واستطاعوا أن يحافظوا على حوزة الدين ونقائه وحيويته من أن تطمسها تحريفات المبطلين.

إن الاجتماع على كلمة محكمات الشريعة والدعوة إليها وتربية الصغار قبل الكبار عليها وحث الناس على التفقه بها والاعتصام بها هو واجب على كل العلماء والدعاة والمعلمين والمربين ومن تسنم منابر التوجيه في كل الوسائل، فالأمة اليوم تتعرض لهجوم وعدوان غير مسبوق على عقيدتها وفكرها وثقافتها وهويتها وهذه المحكمات والثوابت إذا رسخت في القلوب والعقول ونشأت عليها الناشئة فإنها من أعظم الأسباب التي تحفظ الأمة من ضياع الهوية وفقدان التوجيه الصحيح والتخبط بين أهواء البشر».

خالد الغامدي - المسجد الحرام

درس بليغ

«تتجلى في معجزة الإسراء والمعراج قدرة الله تعالى وعظمته، وصدق رسالة نبي الهدى، كما تتبين عظمة بيت المقدس ومكانته وقدسيته عند المسلمين، إذ قال الله تعالى (سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا).

إن الله تعالى يمجد نفسه ويعظم شأنه لقدرته على ما لا يقدر عليه أحد سواه، فتجلت قدرته سبحانه في تلك الرحلة العجيبة والمعجزة الخالدة التي حيرت العقول، وأذهلت الألباب لأنها خارجة عن مألوف البشر، وهي الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى في مسافة شاسعة، رأى فيها عظيم آيات الله وجلال ملكوت الرب ثم عاد في نفس الليلة.

إنها أعظم آيات النبوة وأجل معجزاتها، فيها حكم وأحكام، ودروس بليغة عظام، رحلة اختص الله بها خليله وصفيه محمدا صلى الله عليه وسلم من البيت الحرام إلى بيت المقدس موطن النبوات، وأولى القبلتين، تشريفا لقدره وتعظيما لمكانه.

إن كل الأنبياء إذا أدركوا رسولنا محمدا صلى الله عليه وسلم لوجب عليهم الإيمان به واتباعه ونصرته، وكان هو إمامهم ومتبوعهم، قال صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب رضي الله عنه (لقد جئتكم بها بيضاء نقية ولو كان موسى حيا ما وسعه إلا اتباعي).

الإسراء والمعراج يعلمنا أن الحق ظاهر ومنصور، مهما علت دعاوى الباطل، وكثرت ادعاءاته، فالباطل مهتزة أركانه، ضعيف كيانه، سريع هلاكه، زاهق بنيانه.

نستلهم من معجزة الإسراء درسا بليغا يتجلى في معية الله لعباده ونصره ورعايته لمن تمسك بحبله وهديه، معية الحفظ والتوفيق والنصر والتأييد والتمكين، وهذا يضمد جراح المخلصين المرابطين الباذلين مهجهم دفاعا عن حياض المسلمين.

وإذا كان القدس والمسجد الأقصى محل اهتمام قلوب المسلمين فقد وجب عليهم التضرع لله بأن يحفظه من كل تدنيس، والدعاء لأهل فلسطين بالثبات والنصر».

عبدالباري الثبيتي - المسجد النبوي