جزمة الرجل الخفي!

الجمعة - 24 نوفمبر 2017

Fri - 24 Nov 2017

في البداية أعتذر عزيزي القارئ على عنوان هذا المقال، ولكنه هو ما شدني للموقف الذي سأتحدث عنه، وربما سيشدك أنت أيضا لتعرف موضوع هذا «الرجل الخفي».

كنا مرة في المسجد النبوي ننتظر الصلاة حين جلست إلى جواري طفلتان لا تتجاوز أعمارهما الخامسة، إحداهما تحمل كراسا وقلما، وكانت ترسم أشكالا مختلفة ومتنوعة، أغلبها مبهم، وكانت في كل مرة تسأل الأخرى عما ترسمه، التي كانت تجيبها كل مرة بجواب، وهي ترفض إجابتها بقول «خطأ.. هذا كذا وهذا كذا..»، حتى قالت لها عن أحد الأشكال وبلهجتها دي قزمة (حذاء) فسألتها الأخرى عن صاحبها، فأجابتها «دي قزمة الرجل الخفي»..!

وعندما سألتها صديقتها عن «الرجل الخفي» بدأت صاحبة الكراس تسترسل في قصص أشبه بالأساطير التي عرفناها في ألف ليلة وليلة، مما جعلني أتساءل عن هذا الخيال الخصب، وتلك الموهبة التي تكمن لديها، ولدى العديد من الأطفال دون أن ينتبه لها الوالدان أو المربون.

ورقة.. وقلم.. وطفلة تسأل.. فجروا أمام عيني كل هذا الإبداع، كما فجروا سؤالا: هل يستمر هذا الإبداع أم يتم وأده في مهده؟!

قد يرى البعض أن كثيرا من تلك الخيالات يرتبط بالأوهام الكاذبة، وقد يكون الأمر كذلك إذا نظرنا إليه من زاوية بعيدة عن خصائص نمو الأطفال في هذه المرحلة، حيث يصبح الأمر أشبه بمن ينظر لطفله من خلال منظار عدساته من البلاستيك القاتمة، وقد يكون العكس إذا نظرنا له بمنظار تربوي جاد توضح عدساته المكبرة ما يمكن أن نحققه للأطفال من خلال هذا الخيال الخصب الذي يجب أن ننميه لديهم، مع تدريبهم على إدراك الحقائق ومعرفة الفرق بين الواقع والخيال، دون اتهامهم بالكذب أو شتمهم وتوبيخهم على مثل هذه الخيالات، وردهم للواقع بطريقة سليمة من خلال شرح الحقائق لهم بصورة مبسطة، دون السخرية منهم والاستهزاء بهم، حتى لا يفقد الطفل ثقته في أبويه، وإذا استمر الخيال لدى الأطفال بعد هذه السن وأصروا على أن ما يرونه ويقولونه حقيقة يجب على الآباء معرفة السر وراء ذلك، والأسباب التي دفعتهم إليه، فقد يروي الطفل أشياء غير واقعية وهو يعرف ذلك، لأنه يريد أن يكسب المزيد من اهتمام والديه به، أو لأنه يخشى من سرد وقائع حدثت له، وهنا يجب علينا غرس الشجاعة في نفس الطفل وعدم التشكيك في كلامه أو معاقبته، فالعقوبة القاسية تدفع الطفل للكذب دفاعا عن نفسه.

وما نريده هو أن ننمي خيالات أطفالنا، فالخيال إبداع، والكذب خداع. قال الله تعالى (إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب).