ناصر عليان الخياري

تأتأة محمد ومعلمه راشد

الأحد - 19 نوفمبر 2017

Sun - 19 Nov 2017

هاشتاق بلغ الترند، مضمونه شكرا للمعلم راشد الرشيدي. القصة بدأت قبل عشرين عاما، لكنها لم تنته، وربما لن تنتهي، فقد بقيت مؤثرة في حياة صاحبها، الذي ظل معدنه الوفي، يذكره بصاحب الفضل عقدين من العمر.

صاحب القصة الطالب محمد ناصر الحربي، الذي كان يعاني من التأتأة في الكلام! ومن يروي القصة اليوم هو شاعر مشهور، يرويها في قناة فضائية بطلاقة لسان لا تعرف التأتأة إليه سبيلا. إنه نفسه محمد ناصر الحربي الذي احتواه معلمه في الصف الرابع راشد الرشيدي لينتشله من قبضة التأتأة، وعقدة اللسان، إلى انطلاقة اللسان وفصاحة التعبير. بدأ المعلم رحلة التغيير بفكرة بسيطة؛ منحه فرصة الظهور بمشهد صامت في مسرحية مدرسية، كان لها أبلغ الأثر في نفسية الطالب الصغير.

قد كان القدر جميلا حين أتاح لمحمد الالتقاء بالمعلم راشد فقد كان نقطة تحول إيجابي في حياته، لم ينس التلميذ معلمه، رغم انقطاع أي صلة تدل عليه، لكن المعلم حتما نسي ذلك الطالب، ونسي ما بذله معه من جهد، لأن المعلم دائما يعطي ولا ينتظر جزاء، يصلح ويفني عمره ووقته وصحته من أجل تنشئة أجيال سليمة صالحة تنهض بالمجتمع وتبني الوطن. فالمعلم الأصيل المحب لمهنته، صاحب رسالة تربوية سامية، وقبلها هو رسول علم ومعرفة، يدرك أن المجتمعات تنهض بالعلم والمعرفة، وتستقيم بالتربية الصحيحة، فيعمل بإخلاص لأداء رسالته السامية، موظفا الأساليب والمهارات والخبرات التربوية لتصب في مصلحة العملية التعليمية.

إن المعلم الأصيل هو من يعمل لتطوير ذاته، ويرفع النمو المهني لديه، مما يساهم في تعزيز العملية التعليمية والارتقاء بها داخل المدرسة. إذن المعلم هو العمود الفقري في العملية التعليمية، ولن تنجح مبادرات تجويد العملية التعليمية إلا إذا تم الاعتناء بعمودها الفقري، إن من حقه أن يكون شريكا في رسم سياسات الوزارة وتوجهاتها، وبرامجها التي تمس العملية التعليمية داخل المدارس؛ فهو من يعمل في الميدان، ويتماس مباشرة مع حاجة الميدان، وأولوياته، وباستطاعته تحديد الإيجابيات والسلبيات.

إن تجاهل صوت المعلم وإقحام الميدان التربوي بقرارات غير منسجمة مع تطلعات الميدان وحاجاته وأولوياته سيؤديان في النهاية إلى انعكاسات سلبية داخل الميدان تضر بالعملية التعليمية. فمن المؤسف أن تمتلئ وسائل التواصل الاجتماعي بالمقاطع والتعليقات التي تسخر وتنتقص من المعلم، مما يخلق صورة ذهنية مشوهة وغير صحيحة لعلاقة المعلم بمهنته أولا ثم علاقته بطلابه ومجتمعه ثانيا. العلاقة بين الطالب ومعلمه هي في الأصل علاقة بناءة، لا تقف عند حدود المعلومة، بل تتجاوزها إلى شمولية الدور التربوي، حتى فيما يتعلق في بناء شخصية الطالب ومساعدته على تجاوز الصعوبات والعثرات.

محمد ومعلمه راشد هما نموذج حي للكثير من العلاقات الإيجابية بين المعلم وطلابه التي لم يقدر لها الظهور إعلاميا.