فارس هاني التركي

فنزويلا ولعنة النفط

السبت - 18 نوفمبر 2017

Sat - 18 Nov 2017

فنزويلا التي تمتلك أكبر احتياطي للنفط على وجه الأرض، تعتبر اليوم أفقر دولة في العالم. من يتخيل ذلك؟ أسباب عديدة أدت لذلك أهمها اعتمادها الكامل على النفط كمصدر للدخل، فلم تتحمل إطلاقا الهبوط الشديد لأسعار النفط، أضف إلى ذلك عدم استغلال أسعار النفط المرتفعة في بناء اقتصاد حقيقي قوي ومتنوع، وعدم الاستثمار في مشاريع تنموية تساهم في دخل إضافي للبلد. سوء إدارة الموارد من قبل الحكومة الاشتراكية مع الفساد الكبير الضارب في جذورها أديا للنتائج الكارثية التي تعيشها فنزويلا اليوم، وتعتبر بدون منازع أسوأ أزمة اقتصادية وإنسانية في تاريخ فنزويلا القديم والحديث.

كل شيء نفد في فنزويلا، حتى الخبز والسكر والحليب والأدوية، وللحصول على أي مواد غذائية عليك أن تقف 4 ساعات في الطابور، وعلى الأغلب لن تجد شيئا لشرائه. والأسعار ارتفعت بنسبة 800% كل هذه الظروف جعلت 83% من الشعب رسميا مصنف «فقير»، وبشكل مؤلم جعلت 17% منهم يبحث عن بقايا الطعام في صناديق النفايات، وأدت لاختفاء بعض الحيوانات من حديقة منطقة Zulia القريبة من حدود كولمبيا والتي تعتقد الشرطة أنه تمت سرقتها لأكلها، فيما توفي أكثر من 50 حيوانا في حديقة Caracas بسبب عدم وجود الأكل الكافي لإطعامها.

الكهرباء تنقطع يوميا خمس ساعات في اليوم، مما جعل الناس تستخدم الشموع، و85% من المصانع تتوقف عن الإنتاج بما فيها مصنع الكولا الذي لم يجد سكرا في السوق لشرائه كي يستمر في الإنتاج.

الوضع الصحي كارثي فانتشر فايروس Zika وعادت الملاريا وأصيب بها 260 ألف شخص في عام 2016 وارتفعت وفاة الأطفال «حديثي الولادة» 30% حيث توفي في عام واحد أكثر من 11،400 مولود. فيما خسر 75% من الشعب الفنزويلي قرابة 9 كيلوجرامات من وزنه نتيجة الأمراض وسوء التغذية. رغم كل ذلك رفضت الحكومة استقبال أي مساعدات طبية كي لا يكون ذلك اعترافا بعجزها في إدارة وحل الأزمة.

المظاهرات لا تتوقف والوضع الأمني في تدهور شديد حتى أصبحت فنزويلا تصنف اليوم كأخطر دولة في العالم، ومعدل الجريمة هو الأعلى عالميا لديها، فقد سجلت خلال عام 2015 فقط 27,875 جريمة قتل.

حكومة عاجزة عن فعل أي شيء، فالاحتياطي النقدي شارف على النفاد (فبعد أن تجاوز 30 مليارا في عام 2011 نجده بنهاية 2017 قد تآكل إلى أقل من 10 مليارات دولار). ومداخيل النفط الضعيفة لم تعد قادرة على توفير أساسات الحياة للمواطنين، ولا حتى الوفاء بدفع التزامات الدول الدائنة. إجمالي ديون فنزويلا تجاوز 150 مليار دولار، وأحد التقارير يشير إلى أنه قارب 200 مليار دولار وحسب تصنيف وكالة Standard & Poor’s فإن فنزويلا تعثرت مؤخرا فعلا عن سداد التزامات أحد قروضها الخارجية، وهو ما يعتبر إعلان إفلاس حقيقيا للدولة وقد يعرضها فعلا لتجميد أصولها أو الاستحواذ عليها.

معاناة ومأساة حقيقية يعيشها الشعب الفنزويلي رغم امتلاكه لأكبر احتياطي نفطي في العالم، وحتى ما يملكه من مال قليل أصبح لا يساوي شيئا مع انهيار العملة الرسمية، فبعد أن كان الدولار الأمريكي الواحد بداية 2017 يساوي 3،200 بوليفارز فنزويلي، نجده بنهاية 2017 يساوي 55،200 بوليفارز فنزويلي. تضخم عنيف فقدت الحكومة مقدرتها على السيطرة عليه فقد بلغ 650% في عام 2017 ويتوقع صندوق النقد الدولي أن يبلغ التضخم في فنزويلا 2،300% في عام 2018.

فنزويلا مثال حي على أن الثروات لا قيمة لها بدون عمل حقيقي وإخلاص، وأن الفساد قادر على تدمير أعتى وأضخم الاقتصادات.

@farooi