مضادات الحياة

الاثنين - 13 نوفمبر 2017

Mon - 13 Nov 2017

هل بإمكانك أن تتخيل أن مضادك الحيوي قد يصبح مضادا لحياتك، ويعرضك ومن معك لخطر الإصابة بأمراض معدية ليس لها علاج وبالتالي الوفاة؟ إن العصر الذي نعيش فيه حاليا ليس كسابقه من العصور، فنحن الآن نعيش في حقبة تسمى «حقبة ما بعد المضادات الحيوية»، وهو العصر الذي تصبح فيه المضادات الحيوية غير فعالة لدى المرضى بسبب نشوء مقاومة بكتيرية لها تعرف لدى العامة بالبكتيريا الخارقة، كما تشير إليها منظمة الصحة العالمية؛ الأمر الذي يجعلنا نرجع كما لو لم يكن هناك مضادات حيوية بالأساس، وكذلك قد تكون أبرز وأبسط العمليات الجراحية مستعصية بسبب ظهور هذه البكتيريا الخارقة، وهي ليست خارقة في طبيعة الأمر. إن جهلنا وعدم إدراكنا لعواقب مقاومة المضادات الحيوية ساهما بنشوء بكتيريا مقاومة تستعصى على الأطباء معالجتها على الإطلاق، خصوصا في الشرق الأوسط وبالتحديد في المملكة العربية السعودية، وذلك لأسباب محورية خمسة قد تكون متعلقة بالمريض نفسه، ومقدمي الرعاية الصحية، والمنشآت الصحية ومراكز مكافحة العدوى، وأصحاب المزارع والبيئة، أو حتى الصرف الصحي.

مقاومة المضادات الحيوية هي عندما تقاوم البكتيريا أثر المضاد الحيوي، إما بتمحورها الجيني أو بتعديل مكوناتها البروتينية أو الإنزيمية، وبالتالي يصبح المضاد الحيوي غير فعال نهائيا لمعالجة العدوى، مما ينتج مقاومة معدية لا يمكن علاجها وبالتالي الوفاة لا سمح الله. هذا الاكتشاف العظيم الذي أحدث ثورة طبية كبيرة منذ 1928، والذي كان يسمى الدواء السحري لمعالجته عددا كبيرا من العدوى البكتيرية بات قاتلا بطيئا بسبب جهلنا به.

ماذا لو أخبرتك أنه الآن قد يتحول هذا المضاد الحيوي إلى أزمة وكارثة صحية وعالمية؟ إن قضية مقاومة المضادات الحيوية هي من أهم القضايا المؤرقة التي تعمل عليها حكومات ومؤسسات دولية في العالم، ليس على الصعيد الصحي فحسب، ولكن على الجانب التعليمي والبيئي والاقتصادي.

وتتمركز أسباب مقاومة المضادات الحيوية على المحاور الخمسة، والتي سأتطرق إليها بالتفصيل.

ما يخص المرضى، فإن أخذ المضادات الحيوية دون وصفة، وأخذها بدون حاجة، وكذلك استعمالها للحالات غير البكتيرية كنزلات البرد والإنفلونزا والتي لا تستدعي العلاج بها كونها فيروسية المصدر، وعدم إكمال فترة العلاج المخصصة تساهم في نشوء المقاومة بشكل قفزي ومخيف. وفيما يخص مقدمي الرعاية الصحية، وبالأخص فئة الأطباء والصيادلة، فإن صرفيات المضادات العشوائية وغير المنطقية تعزز من ظهورها، وتخبرنا الإحصاءات أن صرفيات المضادات الحيوية قد زادت لـ30% خلال الأعوام المنصرمة مما يجب النظر فيها. أما المنشآت الصحية ومراكز مكافحة العدوى فقد تكون ليست لديها خطط استراتيجية كحلول مثلى للقضاء على مقاومة المضادات الحيوية، أو وجودها بدون تفعيل هيكلي وحقيقي لها، أو عدم وجود تنسيق بينها وبين الجهات المعنية والمستشفيات الأخرى. أما ما يخص أصحاب المزارع والبيئة، فإن المضادات الحيوية تستخدم لعلاج حالات العدوى للحيوانات، أو قد تستخدم لحمايتهم منها في كثير من الأحيان، وقد تستعمل كمعززات للنمو عند الإكثار منها في عالم الحيوان، مما يجعل تقريبا شخصا من بين كل 5 أشخاص يصاب بالعدوى المقاومة للمضادات الحيوية نتيجة الأكل والحيوانات كما يشير إليها مركز مكافحة الأمراض والوقاية منها. وختاما الصرف الصحي ورمي الأدوية، وتحديدا المضادات الحيوية، في هذه الأماكن يعزز من ظهورها بشكل كبير كما حدث في عديد من الدول.

ليست نظرة سوداوية إذا أخبرتك أنه إحصائيا تقع 700 ألف حالة وفاة في العالم سنويا بسبب مقاومة البكتيريا للمضادات الحيوية، وذلك حسبما يشير إليه التقرير المرجعي الصادر عن المملكة المتحدة في AMR Review عام 2014، ويتوقع أنه في حلول عام 2050 ستصبح مقاومة المضادات الحيوية أخطر مرض في العالم متفوقا على مرض السرطان، بحيث إن عدد المرضى سيتجاوز 10 ملايين نسمة.

والواقع يخبرنا أنه فقط في الولايات المتحدة الأمريكية يموت 14 ألف شخص بسبب عدوى C. difficile، والتي تسبب الإسهال المزمن، والناتج عن الاستهلاك الزائد للمضادات الحيوية، وتحديدا المضاد الحيوي Clindamycin، ناهيك على أنه لا وجود لدراسات استقصائية كافية في المملكة مما يتعذر إحصائيا معرفتها، أما اقتصاديا فإن معدل الهدر الاقتصادي سيتجاوز 100 تريليون دولار في الثلاثين عاما المقبلة، حسبما يشير إليه منتدى الاقتصاد العالمي World Economic Forum.

فعليا يجب علينا جميعا محاربة مقاومة المضادات الحيوية، وذلك بإثراء المحتوى الصحي في المملكة العربية السعودية، وكذلك تحسين الممارسة الصحية تجاه المضادات الحيوية عن طريق رفع التوعية، وتعزيز جانب البحث الطبي، وإبراز الطاقات الشبابية في المملكة في هذا المجال، وذلك ليس صعبا، ولكن يتطلب جهودا تنسيقية وتعاونية في المجال الصحي والتعليمي على حد سواء. لهذا أطلقت مبادرة ساير التي دشنتها في أكتوبر 2016، وهي مبادرة صحية سعودية تسعى إلى دور ريادي صحي تجاه مقاومة المضادات الحيوية والبكتيريا الخارقة في المملكة العربية السعودية، وهي المبادرة الأولى من نوعها والتي تشمل الجانب التوعوي والبحثي، وكذلك الأهم، الريادي الصحي، والذي يهتم بمحاولة تطوير الرعاية الصحية بالتعاون مع عدد من المؤسسات الدولية العريقة والمحلية. أحد الاستشاريين الدوليين والمعروفين في مستشفى أوريغون أخبرني أنه لا بد من استنساخ هذه المبادرة والبرنامج في الولايات المتحدة الأمريكية، كونه يمثل خطة استراتيجية وتنفيذية واضحة، وبعد الدعم الذي حظيت به من مؤسسات دولية عريقة فإن المبادرة ستتحول إلى برنامج دولي يكافح خطر مقاومة المضادات الحيوية.

الأكثر قراءة

جميلة عادل فته

رجال الأمن.. رجال