خضر عطاف المعيدي

تويتر.. مهزلة الفكر الجمعي

السبت - 11 نوفمبر 2017

Sat - 11 Nov 2017

إن المتأمل لفحوى الآيات القرآنية، يجد أن هناك مقتا شديدا للفكر الجمعي، وأن ليس كل ما اتفق عليه الأكثرية بالضروري أن يكون حقا.. (وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله)، (ولكن أكثركم للحق كارهون) وغيرهما الكثير من الآيات التي تحث الإنسان على اتباع الحق وليس اتباع آراء الناس.

وفي عصرنا الحالي منحت وسائل التواصل الاجتماعي منابر لبعض الناس، الذين ليس لهم أدنى وعي بالعلم والفكر، وإن حصل أغلبهم على شهادات عليا، فهي لا تتجاوز كونها حبرا على ورق، ولا تعكس الكم المعرفي الذي نالوه (تويتر أكبر دليل). ومما عمت البلوى به هذه الأيام هو أن يكون «تويتر» هو المقرر في رفع ناس وخفض آخرين، وتشويه سمعة أفراد وتزكية آخرين، ونشر فضائح لمستورين، وستر مفضوحين. ومما يزيد البلاء تفشيا هو أن يتداول الناس من خلاله التعليقات دون أدنى بصيرة بمن هو الناشر؟ وما الغرض من نشر مقطع مرئي كان أم صوتيا؟ هل الغرض توعية المجتمع من شر آن؟ أم هو لأغراض شخصية وتصفية حساب مع آخرين؟

آلمني كثيرا ما نشر مؤخرا لمقطع تداول حول أن مدير إحدى الجامعات السعودية يدعو إلى العنصرية، ولا أعلم أي عنصرية تلك التي يتحدثون عنها، وقد شاهدت المقطع بنفسي، وليس فيه أدنى تحدث عن العنصرية، بل إن الدكتور كان يتحدث عن تجاربه في الحياة، ثم تأمل كثيرا كيف قلب رواد تويتر الأمر رأسا على عقب.

ولعل المتأمل لبعض التعليقات يعلم علم اليقين مدى الحقد وسواد النفوس لبعض الناس، وكما قيل «إذا طاح الجمل كثرت سكاكينه»، وكأن بعضهم ينتظر مثل هذه الزلات ـ إذا وجدت زلة - بفارق الصبر لكي يفرغ تراكمات نفسية تجاه إنسان لم ينطق بسوء. ومن المؤرق فعلا أن تجتزأ ثواني معدودة من مقطع طويل، ومن خلالها يحكم بها على الفرد، ومن أراد أن يستخدم الاجتزاء ليصدر الأحكام فليقرأ (ولا تقربوا الصلاة) ليفتي للناس بأن الصلاة ليست من واجبات الدين! أين أنتم يا رواد تويتر من قوله تعالى (وإذا قلتم فاعدلوا)، وأين أنتم يا من تصدرتم الشهرة من خلال بث تعليقات دون أدنى تأمل لقوله تعالى (إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا).

أجمل خطوة يخطوها الإنسان في حياته، هي التي يضع فيها حاله حال الشخص الذي يقع عليه اللوم في حياته دون أدنى ذنب، ليعلم وقتها نوع الشعور. قبل أن تكتب شيئا وقبل أن تنقد شيئا في حياتك، راقب نفسك كثيرا، لأن من انشغل برقي نفسه وفكره كفاه عن عيوب الناس، وعن التفتيش عن كل ما هو مستور. ولقد سبقك نبينا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، عندما صلى على كبير المنافقين في مكة وهو يعلم أنه منافق، مع ذلك لم يفتش عن قلبه ولا ما يعتقد.. وأحبابنا في تويتر قد فتشوا على نية مدير الجامعة، وعن قلبه وكأنهم منحوا علم الغيبيات. إلى أين تتجه يا مجتمعي؟ وكيف ستكون مصدرا لتوثيق المعرفة للجيل القادم وأنت غير قادر على توثيق نفسك من قول الزور؟ أعتقد بأن الجميع يتفق بأن «تويتر» من خوارم المروءة في هذا العصر، ولا ينبغي أخذ شهادة من يتداوله!