من خطب الجمعة

الجمعة - 10 نوفمبر 2017

Fri - 10 Nov 2017

هيمنة الشريعة

«أخبرنا الله تعالى أن النعم كلها منه، للقيام بحقه تبارك وتعالى، والناس يعلمون كثيرا من النعم ويجهلون أكثرها، والنعم سخرت لطاعة الله وعبادته وعمارة الأرض وإصلاحها، وشكر النعم يكون باجتماع أمور محبة الله والخضوع له ومع تيقن القلب أن كل نعمة هي تفضل وإحسان من الله من جميع الوجوه لا يستحقها العبد على الله وإنما هي منة وإحسان من الله تعالى.

واستخدام نعم الله فيما يرضي الله عز وجل والثناء عليه بما يحب ويرضى، فالله يبتلي بالخير والشر ليعلم الشاكرين والصابرين، والشكر على المصائب أعلى من شكر النعم.

ولله تعالى نعم عامة وخاصة على المسلمين توجب الشكر والاستقامة، كما أن لله تعالى نعما خاصة على هذه البلاد من بها عليها ومن أجل هذه النعم أن جمع الله كلمة أهلها على كلمة واحدة وصفا واحدا فانتظمت لهم مصالح الدين والدنيا وعمرت بها الديار ودفع بها شر الأشرار وعظمت الأمة وحفظ الدين وصون الدماء والممتلكات، ومن نعم الله على هذه البلاد هيمنة الشريعة فهي شريعة العدل والوسطية، وأمة الإسلام أمة وسط لا غلو ولا تضييع قال تعالى «وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا»، وإن أمن المملكة له منافعه عليها خاصة وللناس أجمعين، لمكانة الحرمين الشريفين وأخوة الإسلام، ومن نعم الله على هذه البلاد تتابع المشاريع الخيرة التي تخدم المواطن المسلم ومن يسكن هذه البلاد، وفي مقدمة هذه المشاريع عمارة الحرمين الشريفين التي توجب الشكر، فالشكر منافعه للشاكرين والتقصير فيه ضرره على الغافلين».

علي الحذيفي - الحرم النبوي

التفاضل بالتقوى

«تختص الأمة المحمدية بكرامة خاصة فوق التكريم العام الذي يشترك فيه بنو آدم، فقد صح عن الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم أنه قال «أنتم توفون سبعين أمة، أنتم خيرها وأكرمها على الله تبارك وتعالى» رواه أحمد، أي إنكم معشر الأمة المحمدية الإسلامية تتمون وتكملون عدد سبعين أمة سبقت قبلكم لا يعلمها إلا الله، وقوله (أنتم) الخطاب للصحابة ومن على منهجهم أو المراد مجموع الأمة فهم خيرها وأفضلها وأكرمها على الله، وأشرفها لديه، ويظهر هذا التكريم في أعمالهم وأخلاقهم وتوحيدهم ومشاهدهم يوم القيامة ثم منازلهم في الجنة.

وإن الله عز وجل قد قضى بأن التفاضل بين الناس إنما هو بالتقوى قال سبحانه «إن أكرمكم عند الله أتقاكم»، فمن تلبس بلباس التقوى فهو المستحق لأن يكون أكرم ممن لم يتلبس بها وأشرف وأفضل، فعن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس يوم فتح مكة فقال يا أيها الناس إن الله قد أذهب عنكم عبية الجاهلية وتعاظمها بآبائها فالناس رجلان، بر تقي كريم على الله، وفاجر شقي هين على الله، والناس بنو آدم، وخلق الله آدم من تراب قال الله «يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير»، وعن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الحسب المال والكرم التقوى. أي الشيء الذي يكون فيه الإنسان عظيم القدر عند الناس هو المال والذي يكون به عظيما عند الله هو التقوى، فعلى المسلم أن يسعى جاهدا في المحافظة على كرامته الإنسانية التي خصه الله بها ويزيد على ذلك بأن يكرم نفسه بتقوى الله وهي الكرامة الخاصة.

وأكد أنه حتى يحقق المرء التقوى فعليه باستصلاح قلبه، إذ هو محل التقوى وأول ما يجب أن يعنى به حتى يستقيم على ما ينبغي أن يكون عليه، فقد جاء في الحديث المتفق عليه عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب. متفق عليه.

ومن وسائل استصلاح القلب الكثيرة، قراءة القرآن وكثرة الدعاء والتضرع إلى الله أن يهبه قلبا خاشعا منيبا والصدقة وكثرة أعمال البر والإحسان وكثرة الاستغفار ومصاحبة الأخيار.

وإذا أردنا أن نرتقي في مراتب الكرامة ونسمو في مدارج العز والشرف فعلينا بتقوى الله والعمل بطاعته واجتناب نواهيه خشية أن يفقد المرء الكرامة ويبقى ذليلا مهانا (ومن يهن الله فما له من مكرم)».

فيصل غزاوي - الحرم المكي