آلاء لبني

الغد والحياة

الخميس - 09 نوفمبر 2017

Thu - 09 Nov 2017

في ظلمة الليل وسكونه تتراءى الأحلام والحكايات والذكريات المرة والحلوة، وتتراقص الأمنيات على ضوء القمر، تأمل الأمس ورحلة الغد بينهما شطآن الطموح والانكسار والأمل، تغدو رحلة الحياة القصيرة والسنون تمر مر السحاب، تتسابق وما مضى لن يعود، ولكن الغد يزيل اليأس ويبقي الغاية التي تجدد العزم وتنثر أريج الزهور على الأرض الجرداء. التفاؤل أصل من المعاني القرآنية، وسورة يوسف سورة الأمل لمن عرف أن الحكمة تكمن في سر التفاؤل في خضم الآلام، قال تعالى «يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون».

خطوط الزمان تحفر على تعابيرنا حكايات النجاح والفشل، ليست العبرة بعدد التجارب الناجحة أو الفاشلة، العبرة في مدى الاستمتاع بلحظات العمر، النظر للغد هو الحياة الحقيقية، أما العيش في سجن الماضي بنجاحاته أو عظمته أو آماله فأمر خاطئ. كم بكينا؟ كم تفاخرنا بأمجاد حضارة الأمة الإسلامية كتبها وعلمائها وعلمها؟ ماذا نفعنا؟ والأمة الآن ومنذ سنوات طويلة تعيش الفقر والحروب والصراعات الطائفية!

كم يتفاخر الإنسان بماض مرده حسبه أو نسبه، أو عمل أتقنه وأتم صنعه في أحد الأزمان الغابرة، لا ضير من تعداد المنجزات، ولكن تفاخر الإنسان بعلمه أو مرتبة معينة ذلك يحمله على الاستعلاء أو على الاكتفاء بما وصل إليه، ويثبط المثابرة نحو التحسين، بل يدفع البعض إلى الحلم بالراحة من العمل! البعض يصور السعادة بالراحة والتقاعد وامتلاك الأموال، فكثير ما نسمع ثرثرة البعض ورغبتهم بالحصول على راتب وفير دون الالتزام بساعات العمل، والحلم بتقاعد مبكر بسبب كثرة المهام! مع أن الأصل فينا العمل والدعوة إليه. قال المصطفى العدنان عليه الصلاة والسلام «إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها»، لمن كان له قلب يعقل به، فالحديث دعوة للعمل والأمل. الدعوة لغرس فسيلة صغيرة لن يرى من يزرعها نماءها أو ظلها أو ثمارها، تحوي الكثير من معاني التدبر، فالأصل العمل وبذر الخير والسعي إليه وقسمتك وأجرك مكفولان، وإن لم تلق الثمار.

تجارب الحياة تنعكس حسب نظرتنا اتجاهها، على سبيل المثال مشاق العمل كثرة المهام، طول الدوام، تقلب مزاج المدير... إلخ، أمور ممكن أن تصور الراحة والجلوس حلما للبعض، في حين أن هناك من يتحمل ضوضاء الطرق وازدحامها ويحمد الله أن رزق مصدر دخل وغيره قد ابتلى بالبطالة! العبرة في كيف نفكر؟

فهناك من يصنع من تجارب الألم رسالة حياة وأملا لا ينتهي، وهناك من يصنع من صغائر الأمور عظائم يثور عليها ويقيم الدنيا نكدا على نفسه وعلى من حوله.

ولا ننسى حمزة إسكندر محارب السرطان، رحمه الله، وطاقة الأمل التي كان يبثها. الدكتورة سامية العامودي ورحلة العلاج ومشاق الكيماوي أصبحت رسالة توعية وحب للخير.

لنضع قاعدة في أذهاننا ونعمل بها، «التفاؤل وترك التذمر يجلبان عظيم المنافع».

دخلت المستشفى قبل أيام، وفي طول الانتظار فوائد لمن أراد البحث عن أوجه المنفعة في كل شيء، وقد يكون موقف خير معلم من ألف محاضرة، رأيت امرأة تشكو آلامها في غرفة الانتظار، وتدعو لكل من تراه بالشفاء وتيسير الحال، ورأيت رجلا كبيرا في السن يشكو همه وألمه وحالته لموظفة الاستقبال، وهي لا تنظر حتى إليه أو تنطق بكلمة «رفع الله عنك أو خفف عنك»، كأنها آلة أو ربوت «حتى الروبوت خير منها يرد»! كم تفتقر للرحمة! وهو يحاول حثها على البحث عن موعد قريب، ويتمتم أنه في قمة اليأس، ولو اجتمع أطباء الأرض وفي قلبه هذا اليأس لما أدخلوا الراحة عليه. تذكرت قريبة لي ـ رحمها الله ـ كان السرطان قد سبب استئصال جزء كبير من أمعائها، مع هذا كلما سئلت عن حالها شكرت الله وحمدته، وإذا دخل زوجها، وهي في قمة مرضها، وضعت القليل من أحمر الشفاه لتخفي تعبها. شتان من ربى نفسه على تصبر المشقة، ومن جعل من الغم منهجه.

الحياة أقصر من أن نضيعها في غم ومخاوف، مجملها لن يحدث أو حدث وانتهى، وتعداد النعم والأمل بالغد هو نهج السعداء.

@ Alalabani_1