رهام رشاد فراش

مساحة للإيجار

الثلاثاء - 07 نوفمبر 2017

Tue - 07 Nov 2017

«خدمتك للآخرين هي الإيجار الذي تدفعه مقابل استضافتك في الأرض» - محمد علي كلاي.

يسخر الله الناس لبعضهم، فمنهم من نجده ينصت ويبتسم ويمسح دمعة، أو يجود من خير أجراه الله على يده بمنصب أو مال وصحة. وليس في الأمر فضل لمخلوق، إنما هو بذل يلهم المولى به صاحب النفس النبيلة لتحصد من خزائن لا تنضب عند رب لا ينسى.

ومن يعط دون انتظار رد أو مقابل لعطيته بيقين أنه مسخر للخدمة فسيجد الخير كله عاجلا أم آجلا في تفاصيل الحياة وبين ثنايا القدر مخبأ لحين يأذن له الانتفاع بفضله.

علينا أن نستشعر معنى المتعة في العطاء دون التشكي إن حصل جحود أو نكران، إن كان الطرف الآخر ممتنا أو غير ذلك. لا يجب أن نحزن لرد فعله مهما يكن! ويحصل أن نكون ثمرة فضل يجازي بها الله بعضا من عباده على خير بذله يوما بنفس طيبة، فيكون جزاؤه تسخيرا لمن يرد له صنيع المعروف. نبحر في قارب الحياة وأقدارنا متشابهة، ولا أحد ينجو من تلاطم الأمواج، ولا من ظلمة ليل حالك يسدل أستاره بشيء من الضيق في رزق أو نقص من الأنفس والثمرات! فدع لمن يحبك فرصة ليكون قربك يشد من أزرك ويحقق معنى الإنسانية والتكافل بين البشر. ولا ترهق نفسك كثيرا بالتفكير في رد الجميل أو دفع الفواتير، فتلك هي الحياة لا تسير على وتيرة واحدة والصدق فيها هو المناجاة وبر الأمان الوحيد.

أعط عطاء من لا يخشى الفقر، وإن كان لقريب أو بعيد، فيكفي أنه يشاركك صفة الإنسانية، ولا تسمح لليقين أن يتسرب من ثقوب الخذلان، فخزائن السماء ملأى، وكثير من المتعة نجده في العطاء أضعافا مضاعفة عن الأخذ.

«إنني أؤمن عن يقين أن سعادتنا تبدأ داخلنا، وأن السعادة في العطاء ربما تفوق السعادة فيما يعطيه لنا الآخرون!» - فاروق جويدة.

ومن جرب ذلك تجده ملازما لهذا الحال دون قيد ولا شرط. وكل خبيئة تحجب عن الأعين ويعلمها من يعلم السر وأخفى هي غرس حقيقي يورث معنى صادقا لصلة بين العبد وربه، مترفعة عن قوانين الدنيا الدنيئة.

لو أننا ركزنا في علاقاتنا على «التراحم» وجعلنا الغلبة للجانب الإنساني، وأبقينا «التعاقد» شكلا روتينيا ثانويا في تعاملاتنا اليومية لكنا بخير عظيم في كل شؤوننا! «وأحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم»، ولا تمتنع عن عطائك نصرة لغضبك ولا استشفاء لجرحك ممن طعنك.

قال أبوبكر، وكان ينفق على مسطح لقرابته وحاجته: والله لا أنفق على مسطح شيئا أبدا، ولا أنفعه بنفع أبدا بعد الذي قال لعائشة، فأنزل الله في ذلك «ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله، وليعفوا وليصفحوا، ألا تحبون أن يغفر الله لكم، والله غفور رحيم». فقال أبوبكر: بلى والله، إني لأحب أن يغفر الله لي، فرجع إلى مسطح نفقته التي كان ينفق عليه، وقال: والله لا أنزعها منه أبدا.