من سلبيات الزائرين في الحرم النبوي الشريف
عندما زار صديقي، المدينة المنورة لأول مرة، كان بالإضافة إلى روحانياتها منبهرا بجمالها وحداثة مبانيها ونظافتها، وسعة المسجد بأجنحته الممتدة، والنظافة المستمرة على مدار الساعة، والحمامات الكبيرة النظيفة المتوزعة حواليه بإزاء مواقف السيارات، ومداخلها المطلة على ساحة الحرم والمصممة وكأنها محطات مترو الأنفاق. قال لي: إن المدينة تضارع في أبهتها ونظافتها وجمال عمرانها أجمل المدن الأوروبية اليوم..
عندما زار صديقي، المدينة المنورة لأول مرة، كان بالإضافة إلى روحانياتها منبهرا بجمالها وحداثة مبانيها ونظافتها، وسعة المسجد بأجنحته الممتدة، والنظافة المستمرة على مدار الساعة، والحمامات الكبيرة النظيفة المتوزعة حواليه بإزاء مواقف السيارات، ومداخلها المطلة على ساحة الحرم والمصممة وكأنها محطات مترو الأنفاق. قال لي: إن المدينة تضارع في أبهتها ونظافتها وجمال عمرانها أجمل المدن الأوروبية اليوم..
الجمعة - 19 سبتمبر 2014
Fri - 19 Sep 2014
عندما زار صديقي، المدينة المنورة لأول مرة، كان بالإضافة إلى روحانياتها منبهرا بجمالها وحداثة مبانيها ونظافتها، وسعة المسجد بأجنحته الممتدة، والنظافة المستمرة على مدار الساعة، والحمامات الكبيرة النظيفة المتوزعة حواليه بإزاء مواقف السيارات، ومداخلها المطلة على ساحة الحرم والمصممة وكأنها محطات مترو الأنفاق. قال لي: إن المدينة تضارع في أبهتها ونظافتها وجمال عمرانها أجمل المدن الأوروبية اليوم..
كان هذا الانطباع قبل 14 عاما، ولم يشاهد صاحبي وقتها المظلات الجديدة المحيطة بالمسجد من جميع الاتجاهات.. وبها أصبحت هذه الساحة الكبيرة ظلا وارفا يصاحبك من السور الخارجي حتى دخولك أبواب المسجد دون أن تتعرض إلى لهيب الشمس ولفحات الهجير.. ولم يشاهد مراوح البخار الموزعة مع هذه المظلات التي أخفت السموم وخفضت درجات الحرارة.. ولم يشاهد جميع المباني القديمة المزالة والتي كانت بالقرب من الحرم الشريف، تشوه جماله، وتضيق الخناق على داخليه، لتشيد مكانها الفنادق الجميلة الحديثة، وتتسع بذلك ساحة الحرم، ويسهل الدخول إليه من جميع الاتجاهات.
في العشر الأواخر من رمضان خرجت من الفندق لأصلي الضحى.. وعند وصولي إلى ساحة المسجد أنكرت بصري.. فقد غابت عني تلك الصورة الجمالية التي أعرفها.. جموع كبيرة تغطي أرضية الساحة.. كلهم في نوم عميق وعلى البلاط مباشرة.. حيث يمتد بصرك لا تشاهد غير الأجساد المفترشة.. حتى اضطرونا للسير بطريق متعرج للوصول للمسجد، وتحتاج في بعض الأحيان أن تكفف ثوبك استعدادا للقفز فوق بعضهم حتى لا تزعجهم.
أرفع بصري إلى الحمامات التي شبهتها بمحطات المترو، فأرى أكياس النايلون بألوان مختلفة مكدسة بالملابس ومعلقة على كل السياج الحديدي المركب على حائط الحمامات، ممتدة من أعلى الحائط ومتكومة على أرضية الساحة أيضا.. وكأنني أتجول في مخيم للاجئين؟ أو قرية من قرى النازحين الفارين من الفيضانات والسيول! ووقفت أتساءل إن كان الهدف من تركيب هذه المظلات أن تكون بديلا للفنادق لمن لا يستطيعون تحمل تكاليفها؟ أم أنها خصصت ليستظل بها القادمون للمسجد من حرارة الشمس، وهل هذه الساحة اتسعت وزينت لتكون مكانا صالحا للنوم؟ وهل أتى هؤلاء أساسا لتشويه جمال هذا الصرح العظيم أم أتوا للصلاة في المسجد والسلام على النبي الكريم؟
ثم دخلت المسجد لأصلي، لم أجد مكانا أصلي فيه، فالمسجد مليء بالنيام! حتى الممرات كانت مليئة بالنائمين! فصعدت إلى السطوح عسى أن أجد مكانا هناك، ولكنني وجدت الدرج أيضا مشغولا بالنائمين، وتساءلت: كل مساجد المملكة لا يسمح بالنوم فيها، فكيف تم السماح لهؤلاء بالنوم في المسجد الذي تعدل الصلاة فيه ألف صلاة؟ وأنا في حيرتي تلك، شاهدت أحدهم يصحو من نومه فأسرعت نحو مكانه، وصليت في ذلك المكان الضيق، ومكثت فيه حتى أذان الظهر، وبدأ دخول المصلين وإيقاظ النائمين، فاستيقظوا وجلسوا ينتظرون إقامة الصلاة، فنبهناهم لضرورة الوضوء لأن النوم يبطل الوضوء، فقام بعضهم وخرج للوضوء وبعضهم بدأ يتوضأ بالماء المخصص للشرب داخل المسجد، ونبهناهم إلى خطورة هذا العمل وأثره على الفرش فلم يسمع لنا أحد، وبقي البعض الأخير في مكانه ولم يحرك ساكنا، ودخل معنا الصلاة حين إقامتها وكأن شيئا لم يكن، عرفت أن الكثير من هؤلاء لا يعرف اللغة العربية، ولا يعرف حتى الضروري من أحكام الإسلام، ولذلك ينعدم التواصل معهم.
وإذا أردت السلام على النبي الكريم فلا بد لك من تخير الوقت المناسب ولو ألزمك الانتظار أياما! فالزيارة في هذه الأيام وبخاصة التي تكون بعد الصلوات مباشرة، ضرب من الانتحار، هل يظنون أن النبي صلى الله عليه وسلم يرضيه ما هم عليه من الأنانية والقسوة والفوضى؟ وهل هذا من الإسلام في شيء؟
ألم ير هؤلاء كيف كانت تدخل الجموع الغفيرة، لتلقي نظرة الوداع الأخيرة على جثمان البابا جون بول وهو مسجى في كنيسة الفاتيكان؟ كان على الجميع الهدوء والسكينة والوقار، وكانت الصفوف تمتد إلى مسافات طويلة مرتبة ومنظمة، والأصوات خاشعة، والقلوب حاضرة، والأجساد تتحرك في رزانة ولطافة!!
أنا لا أطالب بأن يمنع أحد من زيارة المسجد النبوي الشريف، لأنني أؤمن بأن رسالة المساجد، هي أن تعلم الزائرين إليها أخلاق الإسلام وقيمه، فلا يرجع الزائر إليها إلا وقلبه قد امتلأ بحب الإسلام، وتنور عقله بفهم واضح له، ولأحكامه وأخلاقه، ولكن من غير المقبول أن يطغى على الحرمين الشريفين طابع الفوضى والجهل وتكون هي السمة الغالبة عليهما، رغم الجهود المبذولة ليكونا منارة هدي ومثابة رشد للزائرين من كل بقاع الأرض، بل يجب أن يكونا مؤسسة لضبط صور السلوك الشائن، وإبراز الأخلاق الفاضلة، وأساسا للتعامل الحضاري الراقي، ليترك أثره على كل من غشيه.
ومن هذا المنطلق أقترح أن يمنع النوم داخل المسجد، وفي كل ساحاته وفي جميع الأوقات والأزمنة والمواسم، هذا المنع سيكون له الأثر الإيجابي الكبير في ضبط السلوكيات الشاذة التي لا تليق بالحرم الشريف، ستقل أعداد هذه الفئات التي تتخذ من المسجد مأوى لها، والتي يرجع إليها السبب في الزحام المصطنع والممارسات المنفرة، فهي غير قادرة على تحمل تكاليف هذه الزيارة من فنادق وترحيل ومعيشة، فطاب لها المقام فاستمرأت البقاء فيه لأيام وليالي، فثقافة الزيارة لا بد لها من تجديد في الفهم يتناسب مع الواقع الاقتصادي الحاضر.