وطن يتجدد

الجمعة - 29 سبتمبر 2017

Fri - 29 Sep 2017

رأيت النور وترعرعت في مكان اختبرت به مشاعري تجاه من حولي، عشت به ذاكرة طفولتي، ربطني بكل من أحب، وبعد سنوات تمدد المكان في كل اتجاه وخضت على ترابه جميع تجاربي، وتعرفت على آخرين يقطنون أماكن أخرى في أقصى الوطن وتعايشت معهم، وحين بدأ مشواري الطويل في الدراسة ما زلت أذكر اللحظة التي نظرت فيها للأعلى باتجاه سارية العلم الذي رفرف عاليا في السماء، رددت مع زملائي الصغار أناشيد العلم بكل شموخ وكبرياء وبأعلى صوت، أدركت حينها أنني في حضرة الوطن وأني أتعلم أبجديات الانتماء والولاء.

الوطن بصحرائه التي ذرعناها طولا وعرضا وجباله وبحاره ورجع أصوات الآباء والأجداد الذين عاصروا نشأته، أصبح مكانا آمنا. فبعد أن كانت طبيعة الحياة قبل قيام الدولة ولمئات السنين، تخضع إلى قانون الأعراف السائدة في الانتقال والإقامة والحدود المشتركة لمئات السنين، فإن إعلان الدولة، وقيامها على يد المؤسس الملك عبدالعزيز، طيب الله ثراه، هي الوحدة العربية الأولى في تاريخ النضال العربي نحو التحرر من الاستعمار. ألقى رجال القبائل أسلحتهم وانضموا للواء الدولة الحديثة، رفعت أعلام الدولة على سارية أسوار مدن انتصرت للعهد الجديد.

عم الأمن والسلام كافة أرجاء الوطن بعد ثلاثة عقود من النضال والكفاح، شمر الرجال عن سواعدهم، شارك الجيل الأول في بناء الدولة في كافة المجالات، وأصبح رجال القبائل المتناحرة بالأمس عماد الجيش الواحد، وتعلموا التعايش فيما بينهم. وانتقل الناس من مرحلة النمط البسيط في الحياة إلى نمط أكثر تطورا، كما أن الانتماء الذي كان للعشيرة، ثم القبيلة، فالقرية، فالمدينة أصبح للوطن الواحد الذي منح الجميع الهوية الوطنية.

سلك أبناء المؤسس، رحمهم الله، جميعا درب والدهم الأسطورة وساروا على نهجه، ومع تدفق النفط تغيرت معالم الحياة في سرعة مذهلة، ولم تمض بضعة عقود حتى أصبح الوطن في مصاف الدول الأكثر نموا وتطورا.

الآن ونحن نعيش أفراح ذكرى تأسيس هذا الوطن العظيم الذي استوعب اختلافنا وتنوع ثقافاتنا على مدى تسعة عقود، ينبغي مراجعة أحداث الماضي وقراءة تاريخ المنطقة وأحداثها المتلاحقة، يجب ألا ننسى ما حدث في الأعوام القليلة الماضية من أحداث ونزاعات أهلية وإقليمية في منطقتنا العربية كانت نتائجها وخيمة على حاضر ومستقبل الإنسان العربي في دول الجوار.

وفي زمن نشهد فيه ثورة هائلة في قنوات التواصل الاجتماعي، تعددت وتنوعت المنابر وتباينت آراء الناس حول خطوات الإصلاح والتجديد التي تسارعت في العامين الماضيين. وإذا أردنا أن نكون منصفين فإن المجتمعات الشابة مثل بلادنا والتي يشكل الشباب حوالي 70 % من عدد السكان، تملك رغبة متنامية بالمضي قدما في طريق التجديد وتسريع عجلة النمو مقارنة بكبار السن الذين يتسم طابعهم بالتحفظ ومقاومة أفكار التغيير والتجديد. من المفارقة الغريبة أن جيل الشباب في العقود الماضية والذي كان ينادي ويطالب بالإصلاحات الاقتصادية ومحاربة الفساد وإطلاق الحريات، وحين تعذر ذلك وبعد مرور عقدين أو ثلاثة أصبح الآن أكثر تحفظا وأقل حماسا لخطط التغيير، وهذا يمكن فهمه وتبريره من منظور بيولوجي إلى حد كبير.

وإذا كان النفط هو الذي رسم شكل المنطقة اقتصاديا واجتماعيا في العقود الماضية، ولأن الوطن أصبح أكثر تماسكا في عالم يتغير بسرعة مذهلة ركيزته الأساسية الاقتصاد والمصالح وليست المبادئ والقيم الإنسانية، ولأن النفط ثروة ناضبة، أدرك صانع القرار أهمية تعدد مصادر الدخل والاعتماد على الذات لخلق بيئة اقتصادية تساعد على مواجهة أعباء المستقبل، فقام بإطلاق رؤية 2030 كخارطة طريق لمعالم وطن يتجدد.

وفي ظل غياب حلفاء حقيقيين، ولكي نبتعد عن (شماعة المؤامرة) يجب ألا نعول كثيرا على أحد غير الله جلت قدرته ثم سواعد أبنائنا. علينا العمل صفا واحدا وبكل حماس ونشاط كي تكتمل هذه الرؤية في وطن يتجدد ليصبح مكانا آمنا للعيش.

@temyatt