الوقت عديل الروح!

الجمعة - 15 سبتمبر 2017

Fri - 15 Sep 2017

يقول الإنجليز «الوقت هو المال»، ويقول المثل الشعبي الدارج «المال عديل الروح»، وربما لن نخطئ إن قلنا إن الوقت عديل الروح، فلم أكن أعرف معنى هذا المثل الإنجليزي جيدا حتى شاهدت -أثناء زيارتي الأخيرة صيف هذا العام لمدينة الضباب (لندن)- حجم التأثير الذي خلفه توقف ساعة «بيج بن» عن العمل على حياة الإنجليز اليومية، وكأن قصر «وستمنستر» فقد روحه، وأصبح جسدا بلا حراك، فقد تعود كثير من الشعب البريطاني على أن يضبط ساعته على دقاتها، هذه الساعة التي بدأ عملها في 3 يونيو 1859 وتوقفت بغرض الصيانة في 21 أغسطس 2017 كانت وما زالت رمزا لاحترام الوقت الذي قاد بريطانيا العظمى لأن تصبح ملء السمع والبصر في سنوات مضت.

أزعم أن المجتمعات المتقدمة فهمت معنى استغلال الوقت، فأصبحت مجتمعات قادرة على النهوض تقودها حكومات تعمل على غرس قيم احترام الوقت في نفوس النشء منذ مراحل التعليم الأولى وحتى مراحل التعليم المتقدم، فلكل أمة ناجحة قصة نجاح تميزها عن غيرها، فإذا أردت مثلا أن تتعرف على سر النهضة اليابانية، فعليك أولا إدراك أن معدل تأخر القطارات في اليابان خلال العام هو 7 ثوان فقط، وستستوعب السر. وإذا أردت أن تعرف سر النهضة الألمانية وأن تقدمهم في المجالات العلمية والتقنية والطبية وغيرها من المجالات لم يأت من محض الصدفة فليس عليك إلا إدراك إيمانهم العميق بمثلهم الدارج «الدقة بالمواعيد هو أدب الملوك».

هكذا فهم الغرب والشرق معادلة تنظيم الوقت، فهي تنظيم للحاضر والمستقبل وهي ليست ترفا، بل ضرورة، ووجود مثل هذا الموضوع في مناهج التعليم الأساسي في المملكة أمر مهم للغاية، وهو دعوة للمسؤولين عن قطاع التعليم أن ينظروا لهذا الأمر بجدية، وأن لا يتوقعوا نتائج فورية بعد إدراج مثل هذا الموضوع في مناهج التعليم، بل عليهم أن يعوا أن أمامهم طريق عمل طويل ضمن منظومة متكاملة تحقق الهدف المنشود، وهو بناء أجيال قادرة على قيادة مسيرة النهضة، وكما يقول المفكر محمد الجابري «لا يمكن بناء نهضة بعقل غير ناهض»، فإذا كنا نريد ذلك، فعلينا أولا أن نبدأ بتهيئة الأجيال القادمة على استيعاب ما نريده منهم في المستقبل، ليصبح لدينا مجتمع قادر على النهوض، وفي نفس الوقت مساهم في الحضارة الإنسانية ومتفاعل معها يؤمن بقدراته ويعظم إنجازاته.

الأكثر قراءة