عبدالله المزهر

حتى أنت يا إبليس!

سنابل موقوتة
سنابل موقوتة

السبت - 26 أغسطس 2017

Sat - 26 Aug 2017

أعتقد اعتقادا يخالطه الكثير من الشكوك والظنون أن «الفنان» يجب أن ينأى بنفسه عن الدخول في وحل القضايا السياسية. أو على الأقل أن تكون مشاركته فيها مشاركة فنية قابلة للنقد والأخذ والرد في إطار فني بحت، أما المشاركة المباشرة بشخصه فهي تأكل من رصيده ولا تزيده.

كنت معجبا كبيرا بما يقدمه فنانون عظماء مثل دريد لحام ومحمد صبحي وآخرون يشبهونهما. لكني لم أعد أستطيع مشاهدة أعمالهما ولا تصديقها لأن الصورة التي ترسخ الآن في الذهن عنهما ليست مشهدا عظيما من عمل فني. ولكنها مشاهد من عمل قذر ودنيء وهو تأييدهما المطلق لطاغية الشام ومجرم الحرب الأكبر في العصر الحديث بشار الأسد.

صور الأطفال الذين قتلهم غاز الأسد وحلفائه أكثر واقعية من كل الجمل والمشاهد التي قاما بأدائها في أعمالهما التلفزيونية أو السينمائية. ومسرح «البراميل المتفجرة» أكثر تأثيرا وصدقية من خشبة المسرح حيث قيلت العبارات العظيمة عن الإنسان والحياة والاستبداد والظلم التي صاغها مؤلفون وكتاب رائعون مثل محمد الماغوط.

وقد يكون مفهوما ومقدرا ـ إلى حد ما ـ أن يقول الفنان رأيه في قضية سياسية تخص وطنه الذي يقيم فيه، فقد يكون ذلك تحت تأثير ضغوطات حكومية وخاصة في الدول التي يعتبر فيها الرأي الآخر بدعة تودي بصاحبها إلى المهالك.

لكن أن يتبرع الفنان القدير محمد صبحي بالسفر إلى سوريا لتأييد الأسد غير مضطر ولا مجبر فإنه يريد أن يخبر معاشر المعجبين بفنه ـ وأنا أحدهم ـ أنه سافل بالفطرة، وأنه لا يحتاج إلى ضغوطات من أي نوع ليكون كذلك.

ثم يتبرع ـ مشكورا - ويصف من ينتقد زيارته بأنهم خونة، وهذا من الإحسان في السفالة، فهو يريد التأكيد على هذه الفكرة لمن ساورته الشكوك.

كل يوم يمر يزيد اليقين بزيف الأشياء التي كنا نظنها حقيقية، وهذه ليست مشكلة تلك الأشياء بالطبع، ولكنها مشكلة إيماننا الذي نوزعه على كل من هب ودب ممن «يمثل» قيما عليا من باب الاسترزاق و«أكل العيش» ثم يتخلى عنها إن وجد تجارة أكثر ربحية.

وعلى أي حال..

لست مستاء من هؤلاء إلى الدرجة التي قد تظنون، أنا مستاء من نفسي ومن الطريق الذي لم تجده قدماي حتى الآن، والحقيقة أني أرغب في بيع نفسي للشيطان، لكن المشكلة أنه حتى الشيطان نفسه لا يرغب في مثل هذه الصفقة الخاسرة.

agrni@