عبدالغني القش

إجازاتنا وزواجاتنا.. هل ترتقي عاداتنا؟

الجمعة - 11 أغسطس 2017

Fri - 11 Aug 2017

أجزم يقينا أن شريحة كبرى من مجتمعنا يعانون من موضوع كثرة الزواجات وبخاصة في الإجازات، وهي كفيلة بمنعهم من التنقل والسفر وحتى الاستمتاع بالإجازة بشكل أو بآخر، فهم يربطون بين مواعيد الزواجات ووقت سفرهم وقضاء إجازاتهم.

وفي الوقت الذي يجمع علماء النفس على أن الإجازة فرصة مواتية للترويح عن النفوس، وسبب لإدخال الأنس عليها، وتجديد النشاط، ووقت مناسب لاستثمار مدة زمنية في أمور مفيدة ربما لا تتاح للمرء في أيام العمل والدراسة، إلا أن الملاحظ أنه قبل بداية أي إجازة -وأعني هنا إجازات الفصول الدراسية والإجازة التي تأتي في نهاية العام الدراسي- تنهال بطاقات الدعوة، ويسارع من يريد الزواج -له أو لقريبه من الدرجة الأولى- لتوزيعها حتى يحتاط المدعوون!

والمؤسف أن تتحول الإجازة إلى مواعيد لحضور الزواجات التي باتت تتسم بالهياط الاجتماعي من حيث التكلفة، وما يحيطها من أمور هي أقرب إلى الإسراف منها إلى الاقتصاد، فباتت مجالا للمباهاة المقيتة وبتكاليف باهظة حتى أصبحت مدعاة لعزوف شبابنا عن الزواج.

والعجيب أنه ومع كثرة قصور الأفراح وغيرها مما يشابهها من فنادق وقاعات وزيادة عددها الملحوظ، إلا أنه كلما يأتي جديد فإن التكلفة تزداد فيه عما سبقه في هذا المجال، بعكس القاعدة الاقتصادية المتعلقة بالعرض والطلب!

ويزداد العجب من إقبال الناس على استئجار تلك القاعات مع أن البعض منهم لا يملك ربما أجرة القاعة، لكنه يستدين لكي يقال إن فلانا أقام حفل زواجه أو زواج ابنه في تلك القاعة التي اشتهر عنها بأنها الأغلى، في تصرف يمقته العقل ويرفضه المنطق.

وهنا لفتة لمثل هذه الحفلات والمقصود الشرعي منها، وأجد أن هناك تقصيرا كبيرا لعلمائنا ومشايخنا الأجلاء وخطباء المساجد، فهم لم يقنعوا الناس بقصد الشارع من الزواج وكيفية إعلانه «أولم ولو بشاة»، وأن مثل تلك الحفلات كان يفترض أن تقتصر على عدد يسير يحقق الإعلان، وبتكلفة معقولة لا ترهق الشاب الذي يروم الزواج والعفاف؛ فالملاحظ أن بعض الزواجات يتم دعوة أعداد غفيرة لحضورها حتى بات المدعوون يحارون في أماكن وقوف سياراتهم، ويعانون من صعوبة الدخول للقاعة بسبب كثافة أعداد الناس!

إن من المشاهد المؤلمة تلك الموائد التي ربما لا يؤكل نصفها، ولا أبالغ إذا قلت إن ما يوضع من موائد في كثير من الأحيان يكفي لأضعاف أضعاف المدعوين، وهذا يشكل هدرا اقتصاديا وتبذيرا لا يرضاه الله، وحذر منه نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم.

والمرجو أن ترتقي عادات مجتمعنا في هذا الخصوص، بحيث يكون حفل الزواج في أي يوم من أيام العام، فلا ينتظر الشاب إجازة فصلية أو دراسية، بل ولا يجب أن ينتظر حتى يقيم حفل زواجه في إجازة نهاية الأسبوع، فهذه التواقيت جعلت تلك القاعات ترفع الأسعار بشكل ملحوظ.

إن زواجاتنا في إجازاتنا عكرت صفوها ونغصت علينا وقتنا، وعقلاء المجتمع وحكماؤه تقع عليهم مسؤولية قيادة التغيير، وقد دعاني أحد المفكرين في مجتمعنا لحفل زواج في فناء منزله، وكانت ليلة بهيجة دعي لها قرابة مائة وخمسين رجلا، فحقق قصد الشارع وتم إعلان الزواج.

ليت المجتمع يرتقي بعاداته ويغير المعوج منها ويشجع السليم ويبرزه، فكما أن السفهاء يعنيهم الهياط والمباهاة فالعقلاء يفترض أن يجابهوا ذلك بشكل عملي فلا يجارون المجتمع في العادات التي أقل ما يمكن أن توصف به أنها من السوء، مما يجعلها بعيدة عن العقل والمنطق، فهل يرتقي مجتمعنا بعاداته، والأهم هل تسلم إجازاتنا من زواجاتنا؟

[email protected]