كم في «النفسية» من عقلاء!

الجمعة - 28 يوليو 2017

Fri - 28 Jul 2017

نخطئ عندما نظن أن كل من في مستشفيات الصحة النفسية مرضى أو مجانين، بل البعض منهم عقلاء وقد يتميزون بخصائص لا تتوفر في غيرهم من الأصحاء. في بعض الحالات أخطأ الأطباء النفسيون في تشخيص أعراضهم المرضية فأدخلوهم المستشفيات. عالم النفس الأمريكي «ديفيد روزنهان» كان دائما يتساءل عن صحة ودقة تشخيص الأطباء النفسيين لمرضاهم الذين يعانون من أمراض نفسية أو عقلية، وكان يعتقد أن نسبة الأصحاء الذين أدخلوا إلى المستشفيات تفوق نسبة المرضى!

في عام 1973 أراد «ديفيد روزنهان» أن يثبت صحة الفرضية التي تقول إن الأطباء النفسيين لا يستطيعون معرفة الفرق بدقة بين الأشخاص العقلاء والمرضى المختلين عقليا، فقرر أن يخوض تجربة فريدة من نوعها قسمها إلى جزأين، في الجزء الأول أحضر فريقا مكونا من ثمانية أشخاص: خمسة رجال وثلاث نساء، كان منهم طالب في عالم النفس، وطبيب أطفال، وثلاثة من المختصين في علم النفس، وطبيب نفسي، ورسام، وعامل. وبعد أن غير فريق التجربة (المرضى الزائفون) هوياتهم وبياناتهم الشخصية لضمان عدم اكتشاف التجربة التي يقومون بها حددوا 12 مستشفى تتمتع بكفاءة وسمعة جيدة في خمس ولايات أمريكية مختلفة؛ لكي يختبروا كفاءة أطبائها ودقتهم في تشخيص المرضى!

قدموا طلبات لدخول المستشفيات المحددة وأثناء مقابلة الأطباء لهم أخبروهم أنهم يسمعون أصواتا وأوهاما غريبة فتم تشخيص حالتهم بالفصام الذي يسمى علميا بالشيزوفرينيا وأدخلوا إلى جناح المرضى النفسيين. قام المرضى الزائفون بتمثيل دور المريض على باقي المرضى المنومين في المستشفى وكتبوا ملاحظاتهم عن المستشفى والمرضى، وبعد فترة لا تتجاوز أياما قليلة توقفوا عن إظهار الأعراض المرضية التي ادعوا أنهم مصابون بها، وأخبروا الأطباء أن صحتهم تحسنت وطلبوا الخروج من المستشفى، لكن لم يصدقهم الأطباء وقوبلت طلبات خروجهم بالرفض، وأرغموا على البقاء وتناول الأدوية التي كانوا يتخلصون منها برميها في المراحيض وحاويات النفايات، وعندما أخبروا الأطباء بأنهم كتبوا ملاحظات عن المستشفى والمرضى اعتبر الأطباء ذلك الفعل جزءا من السلوك المرضي. الغريب أن المرضى الحقيقيين في المستشفى تمكنوا بسهولة من كشف حيلة المرضى الزائفين وكانوا يقولون عنهم إنهم جواسيس عليهم جاؤوا لنقل أسرارهم!

بقي المرضى الزائفون في المستشفيات التي أدخلوا لها ما بين سبعة أيام إلى 52 يوما بمتوسط 19 يوما دون أن يتم كشف تجربتهم ولم يتم إخراجهم إلا بعد أن أرغموا على كتابة إقرارات أنهم مرضى قد تحسنت صحتهم. وبعد أن نشر ديفيد روزنهان نتائج التجربة في مجلة علمية وانتشر الخبر في الأوساط العلمية والطبية قامت إدارات المستشفيات بمراجعة شاملة لكل المرضى المنومين لديهم فاكتشفوا 35 شخصا سليما من أصل 118!

في الجزء الثاني من التجربة تم تحذير المستشفيات النفسية التي كانت على دراية بالجزء الأول من التجربة بأنه خلال الثلاثة أشهر القادمة سوف يدعي العديد من الأشخاص بأنهم مرضى، وسيحاولون دخول المستشفى وطلب من الأطباء أن يقيموا حالات الأشخاص المراجعين على مقياس مكون من عشر درجات يتعلق بصحة ادعائهم المرض العقلي. بعد تحليل تقييم الأطباء للمراجعين أظهرت النتيجة إخفاق الأطباء بنسبة كبيرة في التفريق بين الشخص العادي والمريض العقلي!

أخيرا.. روزنهان كان يريد أن يوصل رسالة إلى أطباء الصحة النفسية أنهم لا يبذلون جهودا كبيرة في تشخيص الأعراض التي يعاني منها من يدعون المرض النفسي أو العقلي!