بئر الرغبات

الجمعة - 28 يوليو 2017

Fri - 28 Jul 2017

اشتكى الأديب الكبير زكي مبارك لصاحبه في كتابه ذائع الصيت «وحي بغداد» في رسالة له وهو آنذاك في بغداد موفدا من وزارة المعارف المصرية إلى العراق.

وذكر في معرض رسالته أنه يتألم من مرض الشهرة، ذلك الداء العضال الذي لا يرجى منه شفاء، وعزاؤه كما ذكر أنه لم يسع أبدا للشهرة.

ولا أطيل فقد لاقى منها إزعاجا وتشويشا وتعطيلا لأعماله!

انتهت بتصرف رسالة ذلك الأديب العملاق.

وإليك في هذه الأيام ما يشقى ويكدح لها ولأجلها صنوف التدابير، لا يهمه لأي وجهة هو موليها فقط أن يشار إليه من هنا السبيل في هذه الأيام للعبور نحو ضفة الشهرة!

لا يرده عن قمع هذه الشهوة التي بذلت لأجلها الولائم الخداعة والمظاهر الزائفة؛ والتي أصبحت هباء منثورا في شريعة الناس! فما بالك برب العالمين.

انخدع هذا الهائم على وجهه فقيل له أيضا إن طريق النجاح مشوب بالعثرات والسقطات

- ويقصد بذلك طريق الشهرة - فيسفر عن صراحة مقذعة، وعن تصرفات صبيانية تكشف سوءة تربيته وعطن محضنه، ولقد أساء مضاعفة عندما نكتشف أنه من بيت محترم يقدر الأخلاق، ولين الجانب، ويأبى من التصاق أي شيء مشوب بالعائلة.

لكن يأبى عشق الاستهبال إلا أن يخرج مثل هؤلاء؟

وليت شعري فغالب من رأيت لا يحمل مثقال ذرة من موهبة إلا النادر منهم.

لا أنكر أن بعضهم صار واعظا راشدا في سناباته بعد التفاف الجماهير وذكر قصص مضحكة مضمنة وعظا ونصحا ظهرت من نفس محبة للخير ونشره على أوسع نطاق.

أعود للداء العضال وهي الشهرة وهل كانت سببا في نشر الخير! وأذكر أن الإمام الرافعي وهو الأديب المعروف عندما كان مغمورا في الساحة الأدبية بمصر والتي كانت تعج بعمالقة الأدب كشوقي وحافظ إبراهيم وطه حسين والعقاد والمنفلوطي وغيرهم من سادات الأدب العربي الحديث لأنهم كانوا في ذلك الحين مدارس أدبية متناحرة، تعرض الرافعي آنذاك لشاعر النيل حافظ إبراهيم وكان علما آنذاك كالقصيبي رحم الله الجميع وعفا عنهم، فانتقده!

وصنف أمير الشعراء وجعله من الطبقة الثانية من الشعراء في العصر الحديث وقدم مقدمة لمجلة الثريا للبحث الذي ذكر مطلعها: دونك مقالة بكرا لم ينسج بعد على منوالها بعدُ في العربية.. وختم المقالة: ولا يعنيك معرفة اسمي فأنا ابن جلا وطلاع الثنايا؛ فانظر إلى ما قيل وليس لمن قال!

انتهت رسالة الرافعي وابتدأ ذكره طوعا وكرها في معمعة المعركة الأدبية أديبا علما فيلسوفا، مستلا قلمه الذي يحسب لمنازلته أي أديب في مصر كهلا أو شابا أن يشحذ قلمه مرات ومرات قبل النزول لمناهضة الرافعي أو حتى التأليب عليه.

لقد أراع من حوله الرافعي في ردوده التي لا تخفى عليكم، لكن هل كنا سنعلم من الرافعي لولا شهرة شاعر النيل وأمير الشعراء؟

إذا لقد كان في نفس الرافعي الظهور من خلال مناوشة الأعلام ليرتقي عليهم وهذا ليس من تأملي ومن حدسي بل من صاحبه الوفي الملازم له الأديب محمد سعيد العريان في كتابه:

«حياة الرافعي» وقام بخط المقدمة شيخ العربية محمود شاكر وأثنى ثناء عطرا على الرافعي.

تذكرت وأنا أكتب عن شيخ العربية هو أيضا كان تعرضه للدكتور طه حسين أثناء طرحه في محاضراته في الجامعة عن الشعر الجاهلي وكان محمود شاكر طالبا في السنة الثانية مناوءة ظاهرة في الرد على فكرة أن الشعر الجاهلي منحول..

كانت سببا في ظهور شيخ العربية محمود شاكر وسببا غير مباشر في عزلته الشهيرة والتي أمضاها عشر سنين دأبا مكبا على كتب اللغة العربية، ثم خرج لنا محمود شاكر شيخ العربية والمحققين الأدباء.

لم يتعال علينا طبعا بدورة صيفية -علمية كانت أو تدريبية- مدتها نصف سنة للمسرف في الطلب!

أعود لكم من جديد أن طلب الشهرة قد يكون لهدف سام يحسن فيه الشخص المبدأ والقصد

والله من وراء القصد.

لم أتحدث عن كره السلف عن حب الشهرة والظهور، لسببين: كثرة طرقها على مسامعنا، والآخر لأن نبينا يوسف عليه السلام دعا «اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم»، وأدع سبب دعوته - عليه السلام - للظهور لكم يا سادة.

الأكثر قراءة