مرزوق تنباك

هناك ركائز لا خلاف عليها

الثلاثاء - 11 يوليو 2017

Tue - 11 Jul 2017

النزاع السياسي والصراع بين الأنظمة الحاكمة في المنطقة الواحدة أمر يحدث كثيرا، بل هو الطبيعي، وقلما يحصل الوئام بين الجيران، سواء كانوا أفرادا أو جماعات أو دولا وممالك، والاتفاق على كل شيء لا يوجد، واختلاف وجهات النظر في قضايا جوهرية أمر ممكن حدوثه ومتوقع بغض النظر عن نوع الخلاف وأسبابه والصواب أو الخطأ.



أما الخلاف بين الدول فالأمر فيه أشد وأبعد مما يمكن أن يحدث بين العامة، لأن المصالح السياسية الكبرى الخفي منها والظاهر تدار بعيدا عن الرأي العام الذي لا يكون له مشاركة مباشرة فيما يحدث، ولا يعرف عن الخلافات إلا حين تبلغ ذروتها ويطفح كيلها وترتفع وتيرة التحدي بين المختلفين عليها لأسباب يجهلها الإنسان العادي، بل قد يجهلها حتى المثقف وكاتب الرأي والمهتم بالشأن العام، وأخطر تلك الخلافات التي تحدث بين الدول هي التي تحصل بين أنظمة سياسية تحكم شعبا واحدا له صلاته وعلاقاته وارتباطاته العائلية، واتصال هذه الروابط في بنية المجتمع الذي توحده الأرض والدين والنسب ووشائج شتى، ولا تستثنى حتى الأنظمة الحاكمة من هذه الوشائج والقرابات، فبينها مثلما بين شعوبها من صلات وقرابات وصداقات وتاريخ مشترك، وأقرب مثال شعب الخليج الواحد.



نقول: إن الخلاف يحدث بين الحكام، ويحدث بين الأسر والجماعات، ولا يمكن أن تصفو الحياة في كل الأحوال على أي مستوى من التركيبة الاجتماعية. والمناقشة ليست هنا لمنع الخلاف ألا يحصل بين الفرقاء، ذلك مستحيل وغير ممكن، أما غير المستحيل والممكن في كل الأحوال فهو أن تبحث شؤون السياسة بقيمها ومفاهيمها من أهل السياسة الذين سيجدون لها الحلول التي تساعد على حسم الخلاف فيها، وإيقاف دواعيه، والبعد عن تطوير القضية الخلافية وجرها إلى أبعاد مؤلمة ونتائج خطيرة. السياسيون وحدهم هم الذين لديهم القدرة على تقييم الأوضاع كما يجب، ويتحملون حلها قبل أن يبلغ الشطط إلى هدم الثوابت والقيم التي تربى عليها الجميع، الساسة وشعوبهم. من حق كل طرف أن يظهر حجته ويدافع عن رأيه الذي يرى، ولا يلزم أن تكون المجتمعات مشغولة بهموم السياسيين وقضاياهم وما يختلفون أو يتفقون عليه.



مجتمع الخليج مجتمع واحد ولحمة واحدة وإن تعددت أنظمته وحكوماته، ولم يعد أمام الجميع خيار غير خيار التعاون فيما بين المجتمع وقياداته وإصلاح شأنه وعدم المساس بثلاث ركائز:



الركيزة الأولى: أمنه واستقراره، فقد جرب المجتمع الخليجي وتعب مما يرى ويسمع مما حوله، وله فيما أصاب العالم العربي من فتن وحروب وتشتت عبرة لا يريد أن يراها ولا يكررها إن شاء الله، ويعي المجتمع ويعي حكامه أن النزاع والخلاف والفتنة لا ينتصر فيها شعب ولا حكومة، وأن هناك حلولا لما يعترض من صعوبات وقتية سبق أن تعرضوا لمثلها من قبل وتجاوزوها بحكمة وحنكة ولاة الأمر في المنطقة.

الركيزة الثانية: هي وحدة مجتمع الخليج، واعتبار روابطه التاريخية وجغرافيته الواحدة ومصالحه المشتركة وارتباطه البنيوي ومصالحه التي سيضعها كل حكام الخليج على رأس أولويات اهتمامهم والمحافظة عليها واجب الجميع.

أما الركيزة الثالثة والأخيرة، فإنهم أمام مسؤولية كبرى تاريخية ومصيرية تمر بها المنطقة العربية من حولنا، وكلنا نعرف النتائج التي سببها التصلب في الرؤية الأحادية في تلك البلاد، وما جرت على أهلها من كوارث، وكلنا أمل أن نأخذ العبرة مما يحدث حولنا، وأن يكون لمواضع الخلاف في منطقة الخليج نقطة وسط تلتقي عندها وجهات النظر، وينتهي عندها الخلاف، حفاظا على حاضرنا ومستقبل أجيالنا، وذلك ما سيحدث إن شاء الله، ولن تغيب الحكمة التي يتمتعون بها عن حل واتفاق للخلاف الذي لن يطول بين الأشقاء.



Mtenback@