قطر وحلف الوعاظ والشيوخ

الثلاثاء - 04 يوليو 2017

Tue - 04 Jul 2017

في الأزمة الخليجية مؤخرا استغرب الكثير من الراصدين والمتابعين غياب بعض الأصوات العالية جدا حد الصخب عن الإدلاء ولو بكلمة «صلح» في هذه الأزمة.

غياب تام غير معهود لشيوخ دين ووعاظ نذروا أنفسهم منذ عام 2011 في الدخول في كل شاردة وواردة، سياسية واجتماعية ودينية، إما غراما بالتكسب الجماهيري، أو لغرض حزبي سياسي، كما هو حال إخوان الخليج ومن في حالهم، وإما للقول «نحن هنا ندير الجماهير».

هذا الغياب بالذات عن الإدلاء والمشاركة من قبل شخصيات لا أشك ولو بنسبة ضئيلة في اطلاعهم على أدق التفاصيل للأزمة أمر محير يدعو الراصد للتفسير.

غياب تام بعد عاصفة لسنوات عديدة من التعاطي السياسي والإعلامي التام واضح المعالم والأهواء، وقد كان أوج هذا النشاط في 2011.. لا بد أن في الأمر ما يريب.

ولي في الأمر وجهة نظر حول أسباب هذا الصمت المطبق.

اعلم ـ يا رعاك الله ـ أن أولئك القوم تأكل النار الآن في ذواتهم وتتقد، فالفئة المهمة والتي هي في أسوأ أحوالها الشعبية اليوم بسبب ترقب جماهير الشارع لردود أفعالهم، منهم من قد تكون تربطه بجهات قطرية علاقة براجماتية – حزبية أو مالية صرفة – وتنظر إليه تلك الجهات في قطر كجانب من جوانب «النفوذ القطري في المجتمع الخليجي» الذي سعت إليه قطر من خلال الوعاظ وشيوخ الدين الذين يمثلون النفوذ القطري الناعم بغطاء ديني في تلك المجتمعات، مستغلين جانب الدين لصنع ركائز أساسية للمشروع القطري، من خلال الترويج المتواصل الدؤوب للمشاريع القطرية، كالترويج لقناة الجزيرة القطرية ذات الطابع الإسلاموي الحركي بأنها هي الآلة الإعلامية ذات الخطاب المقدس المناصر لقضايا الإسلام والأمة، وما إلى ذلك من الشعارات التي يحترف اللعب من خلالها أولئك الشيوخ والوعاظ، أو الترويج للنشاط السياسي القطري ذي التحالفات المشبوهة مع حركات الإسلام السياسي، وتصوير تلك النشاطات بكل صورة من شأنها جذب الجماهير إليها بأية وسيلة.

أولئك الأدوات اليوم في موقف لن أقول إنه موقف يحسدون عليه، بل هو موقف سيئ يستحقونه ويستحقهم. التزموا صمتا – وأنا هنا لا أعمم على كل الصامتين- إزاء الأزمة التي تكلم عنها المجتمع الدولي برمته. صمت بعد سني الضجيج والمتاجرة بالدين في قضاياهم الحزبية. وهذا الصمت لا تفسير له اليوم إلا أنهم اصطدموا بالواقع. ذلك الواقع المجتمعي الذي تحرك لغير ما خطط له، فبدلا من أن تكون تلك المجتمعات قد غسلت أدمغتها «تماما» بنشاطات أولئك القوم المرسومة تماما لمثل هذه اللحظة، وجدوا أن الأمر كأن لم يكن، بل يبدو في أوقات كثيرة أنه صار عكسيا، لقد تحرك المجتمع بعكس ما أرادوا في اللحظة الحاسمة، فلم يروا لتحركهم قيمة، فأول من سيصادم موقفهم إن كان ضد الوطن هو المجتمع. فآثروا الصمت على الحديث، والسكوت على الرياء في القول، لأنه سيكون رياء مفضوح الشكل.

سنوات من العمل الإعلامي، وتطعيم الدين بالنشاطات السياسية، وتكفير وصهينة كل من هو في غير خندقهم، وعند ساعة الصفر كل ذلك صار هباء منثورا في ظل وجود نسبة وعي لا يستهان بها أفسدت مرحلة خطاب ما بعد حدوث الأزمة.

لمن تساءل عن صمتهم: إنهم ليسوا صامتين يا عزيزي، إن الواقع أصمتهم رغما عنهم.