قطر غرها طول الأمل

الاحد - 02 يوليو 2017

Sun - 02 Jul 2017

يتطلع الطالب ضعيف الشخصية نحو معلمه لينال ثقته في تبوؤ منصب قيادي يوفر له الحماية من تربص الأعداء الموهومين، ويقوي به هشاشته وضعفه، وربما كان هذا التطلع لأهداف شخصية وغايات مغيبة يضمرها في صدره، وهذا ما تفعله دولة قطر الشقيقة.

ففي الوقت الذي تحشد فيه دول العالم كل قواها ووسائلها لمحاربة الإرهاب وتجفيف منابعه وتقليم أظافره ووضع حد لنموه، تثبت قطر خلاف ذلك، وأن موقفها الفعلي دعم المنظمات الإرهابية والقوى المتطرفة وتغذية الحركات الثورية وتوفير الحماية للمعارضات السياسية باستقطابها ومنحها منصة إعلامية تنفث سمومها عبرها والعمل على إثارة البسطاء وحث الغلابة على الخروج للميادين وتشجيع الثوار والمطالبة بتغيير الأنظمة السياسية وتحريض الشعوب لإسقاط القادة ودعوتها للتخلي عن تيجانها، وهذا يتباين مع موقفها الخطابي والنظري الذي يدين الإرهاب ويجرمه.

وهذا ليس التناقض الوحيد فهو عود من حزمة تناقضات تمارسها القيادة القطرية، فعلى سبيل المثال تقيم دولة قطر علاقات تجارية واقتصادية مبنية على التعاون والشراكة مع إسرائيل عدو العرب والمسلمين التقليدي، وتدعي في السياق نفسه تبنيها للقضية الفلسطينية ودعمها لحركة حماس باعتبارها الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني؛ وهذا جنون وسذاجة سياسية لا يصدقها العقلاء.

قطر دولة ناشئة حالمة بمشروع تغييري يعيد رسم الخارطة من جديد، لكنها اكتشفت أنها تفتقر إلى مقومات النجاح التي من شأنها رفع مكانتها وترقيتها إلى مصاف الدول المؤثرة والرئيسة المساهمة في صناعة السياسة، فهي بلا تاريخ سياسي ولا مكانة دينية ولا قوة عسكرية ولا تقدم تقني وصناعي ولا تعداد سكاني ولا طبيعة جغرافية ولا إرث حضاري ولا أقل من ذلك ولا أكثر، فبدأت التنقيب عن كيان مؤثر يشعر بالمظلومية ويفتقد للدعم المالي والجغرافي والعسكري ويشاركها أهدافها وغاياتها حتى وجدت ضالتها بجماعات الإسلام السياسي ممثلة بقطبها الأبرز جماعة الإخوان المسلمين، فعملت على إيواء قادته واحتضانهم وزرع بذورهم في الدول المجاورة لتحريكهم ونشر فكرهم واستعمالهم أدوات تساهم في تنفيذ خططهم وتحقيق مآربهم، وهذا ما كشف عنه البيان المشترك الصادر عن الدول المقاطعة، والذي ضم منظمات وكيانات وأسماء تتبنى الفكر الإخواني تبعية وقولا وعملا، ورغم وضوح البيان وثبوت عداوة من ذكر فيه إلا أنه لا يزال هناك من يشكك في صدقيته ويلتمس الأعذار والتعليلات للمذكورين فيه بعاطفة دينية لم يستطع العقل والانتماء الوطني التغلب عليها.

السعودية بالإضافة إلى الدول التي قطعت علاقاتها مؤخرا مع قطر اكتشفت ألاعيب القيادة القطرية وخياناتها المتصلة على مدى سنوات، لكنها فضلت التريث وعدم التصعيد مفضلة العمل الدبلوماسي والنقاشات عبر غرف مغلقة حتى طفح الكيل وصار لزاما عليها أن تضرب بيد حديدية وتضع حدا لهذه التجاوزات التي ربما لا تنتهي لو لم يوضع حد لها، فزئير الأسد لا يكفي لقتل الفريسة.

كل دول المنطقة تستغل المناسبات الجماعية والرسمية والوطنية لتعلن احترامها للقيادة السعودية وزعمائها ووقوفها خلفها باعتبارها حامية للمقدسات وشرطيا باسلا يدافع عن المنطقة بضراوة ويحفظ حدودها ويبذل كل ما في وسعه ليضمن استقرارها وأمنها، عدا قطر التي لم يعجبها هذا الالتفاف فعزمت على التخلي عن الصف الخليجي، مفضلة الانتقال لمعسكر المناوئين مرتمية في حضن الشيطان الأكبر وأعوانه.

السعودية دولة مسالمة تكره الدخول في صراعات خصوصا مع الأشقاء ودول الجوار، وستقترب عشر خطوات لو اقترب غيرها خطوة، لكنها لا تريد التعامل مع شخص يغلف تعاملاته الغموض وعدم الشفافية، يقرأ ما لا يكتب ويفعل ما لا يقول، مما يزعزع ثقة جيرانه وأصدقائه واطمئنانهم له، والثقة مبدأ غير قابل للتجزئة، وما زالت الكرة في ملعب الإخوة في قطر الشقيقة التي غرها طول الأمل والصبر الخليجي المعهود، ما زال المجال رحبا أمامهم للكف عن أنشطتهم التي يلفها الغموض، وتطليق المتربصين طلاقا بائنا بلا عودة، وتعديل مسار علاقاتهم وخطهم السياسي بما يتناسب مع السياسة الخليجية التي تمثل كيانا واحدا مشترك المصير، وإعادة الثقة التي تزعزت بسبب سلوكها، والاستجابة للمطالب الخليجية، والتراجع بتغيير المواقف السياسية ليس عيبا بل حالة أخلاقية تعبر عن نضج وحكمة.

على كل حال؛ العالم ليس غبيا كما تظن، وعندما تنجح في تمرير إحدى مراوغاتك فذلك لا يعني أنك ستنجح في كل مرة تريد فيها ذلك، العالم يتغابى أحيانا لأنه يريد منك أن تكون ذكيا مثله.

والتفريط بالأصدقاء الحقيقيين سيكسبك أصدقاء وهميين مزيفين يختبئون خلف الأقنعة محاولين ملء الفراغ، ثم يبدؤون بالانسحاب والابتعاد عنك لينقضوا عليك مجددا لالتهامك ومصادرة خيراتك.