قمة الرياض في ميزان الأنثروبولوجيا

الجمعة - 26 مايو 2017

Fri - 26 May 2017

هذا الحدث التاريخي هو نجاح قياسي للدبلوماسية السعودية بقيادة خادم الحرمين الشريفين (وفقه الله)، وهذا النجاح من ناحية سياسية يحتاج لكتاب مستقل، وإنما هذا الموضوع يحلل ردود الفعل وبالأخص المحلية للحدث الأعظم في العالم، ولنبدأ بتحية لجهازنا الإعلامي «الرسمي» الذي كان في مستوى الحدث، وكذلك الترتيبات الدبلوماسية والعسكرية العالية التي هي موطن فخر بكل المقاييس، ولكننا لم نر الإشادة بها من قبلنا كأفراد أو كجماعات، ولنلق الضوء على ما قام به ممثلو الـ55 دولة المشاركة الذين نقلوا لشعوبهم الحدث القائم المتمثل في التفاهم التاريخي الذي حصل لحل القضايا المعقدة في المنطقة، ومن أهم ما تم تناقله عالميا هو حسن الاستقبال والضيافة والمكانة التي تملكها المملكة العربية السعودية، والتي جمعت العالم على ما يمكن تسميته «الخارطة السلمانية»، فما بعد القمة ليس كما قبلها، حيث إن خارطة أبو فهد ليست «كخارطة الطريق» ولا «الفوضى الخلاقة» ولا «الخريف العربي»، وإنما خارطة تجسدت فيها الحكمة أبا عن جد، وهذا ما أشار إليه فخامة الرئيس الأمريكي حين قال «لا بد وأن والدكم سيكون فخورا بكم لما تقومون به، ونحن نكمل سويا ما قام به مع الرئيس روزفلت». وحتى نستطرد الحدث الذي عرض في أكبر المؤسسات الإعلامية العالمية نجد أن التحليل الاقتصادي لعوائد الاتفاقيات المبرمة بين الطرفين هو ما يتسيد المشهد، ونجد أن الأمريكان قد تفاجؤوا عندما رأوا رئيسهم ووزير خارجيتهم يشاركان العرضة النجدية، وشاهدوهما وهما يتجولان في الغرف التراثية لقصر المربع الذي يحكي الأصالة والاعتزاز، مما يدل على قوة العلاقة بين الحكومتين.

وبجولة سريعة على وسائل التواصل الاجتماعي، التي تعمل كالأشعة في تشخيص الداخل، لاحظنا ردودا سيئة من بعض العرب «الإيرانيين» الذين تخلوا عن عروبتهم، أو «الحساد» الذين نصبوا أنفسهم مسؤولين عن مصير الشعب السعودي الذي يملك الحق في تحليل الحدث الجاري على أرضه، والفرص التي قد توفرها تلك الصفقات المعقودة، كبناء المصانع المحلية وتوطين المعرفة مما يبشر بالخير للأجيال القادمة، والتاريخ يعيد نفسه في بناء المجمعات البتروكيميائية التي كانت فكرة هشام ناظر، وبتطبيق وزير مخلص كغازي القصيبي، وقيادة الملك فهد رحمهم الله جميعا، لقد واجهوا نفس التحديات بل أكثر، لكنهم بنوا صناعة نفتخر بها ولم يبالوا بسطحية السذج ممن كانوا متعلقين بفنانة عربية كحال المتعلقين الآن ببنت ترمب، الذين نجحوا بكل غباء أن يتصدروا المشهد بهاشتاق فرح به الأعداء ودعموه بحساباتهم الوهمية والتي تبث من دول عربية أخرى في غرف مغلقة أشبه ما تكون بغرف عمليات، ومهمتها هي تشويه البلد في كل محفل. وعلى الجانب الآخر زاد المدافعون في الهاشتاق بغبائهم الطين بلة كما يقال، فكثير من المشاركات الهادفة كانت في نفس الهاشتاق مما ساهم في صعوده، وكأن قومنا لا يرغبون بأن يميتوا الباطل بهجره وإنما برفع قدره!

إنه من الصعب تفسير النجاح الحكومي الكبير للقمة والتجاوزات الكثيرة التي نتجت من مواطنين لا يعرفون تأثير ما يسمونه «بالطقطقة» على سمعة بلدهم، وحتى وصل الأمر لشخصيات اعتبارية كبيرة شاركت في القمة، ولنر ماذا صور أحدهم الذي كان مفاخرا بأن علم السعودية يرفرف بينما علم أمريكا ـ ضيوف البلاد - ساكنا مما دعاه للدعاء عليهم، والآخر يصور مسجدا ويستظرف زاعما بأنه قد بناه بنية الصدقة لإيفانكا، وهناك العديد من الأمثلة التي تقرع الجرس بأن المثقفين عليهم دور لم يؤدوه بالاستنكار، وبأن يحثوا الناس على تجاهل مخرجات الحمقى حتى لا يصلوا للشهرة التي ينشدونها.

إن تلك التصرفات لم تنشأ من فراغ، ففي حين أعتقد الناس أن من يثيرون التعصب الأعمى الرياضي وما صاحبه من موجة الاستخفاف بالغير قد لا يمتد خارجه فإننا قد وجدنا أكثرهم يعامل الحدث بهذا الفكر والسطحية. إن الذين صنفوا ردود الفعل الشعبية من زاوية ضيقة وكأن الموضوع مخصص فقط «لسعة الصدر»، كما يقال، فإنهم بقصد أو بغير قصد خالفوا الحقيقة المؤلمة، ولا سبيل الآن لجلد الذات بل الأهم هو العمل ومن ثم العمل ومن ثم العمل، وأما الفراغ فقد حان الوقت لنحره.