هبة قاضي

باب في السقف

دبس الرمان
دبس الرمان

الثلاثاء - 16 مايو 2017

Tue - 16 May 2017

لطالما وصمت بعدم الجمال نظرا للون جلدها الأسمر، ولطالما سمعت التعليقات والتلميحات تأتي من والديها تارة ومن الناس تارة بخصوص سمار بشرتها والذي سيجعل زواجها أمرا صعبا وربما سيكون سببا في عنوستها. اقتنعت بتلك الأفكار وتشربت قناعة عدم جمالها منذ صغرها، وعليه قررت التركيز في دراستها التي تفوقت فيها حتى استحقت البعثة الدراسية للماجستير. سافرت وكلها عزم على نيل أرفع الدرجات العلمية، لتكتشف أنها كامرأة وكأنثى مقدرة فكريا وجماليا، وذلك حين طلبها أحد زملائها «إسباني الجنسية من أصول عربية» للزواج لتوافق ويوافق أهلها.



كانت المشكلة أن قوانين الملحقية تمنع زواج السعودية من غير السعودي خلال فترة الابتعاث، وعليه فقد قاموا بإتمام مراسيم الزواج من خلال الجهات الرسمية في بلد الابتعاث والتي عاشت فيها بعدها في سعادة ورفاه وأنجبت أبناء، حتى حان وقت العودة للوطن وبدأت معاناة توثيق الزواج والشروع في الإجراءات الرسمية والتي يجبرها عليها حاجتها لضمان استحقاق زوجها وأولادها للزيارة في حال رغبتها زيارة والديها وأهلها. وها هي الآن تدخل بمعاناتها عامها الثاني وكأنها مجرم ارتكب جريمة، أو مذنب اقترف حراما وينتظر حكم القاضي على فعلته.



هذه القصة وغيرها الكثير من القصص لنساء من مختلف الأعمار قررن الزواج برجال من غير جنسيتهن. فتجدهن يدخلن دهاليز المحاكم وينتظرن شهورا وسنوات من أجل الحصول على الموافقة. فكأنه لا يكفي المرأة أن تعيش في جميع أمور حياتها تحت رحمة المجتمع وقيوده مهما بلغت من العمر، لتجد نفسها في ولاية أخرى فرضتها عليها قوانين منبعها العادات والتقاليد والأعراف والتي توحي بأن المرأة السعودية أفضل من أن يتزوجها غير السعودي، حتى لو كان غير السعودي هذا يحمل جنسية دولة من دول العالم الأول، أو حتى لو اختارته بناء على توافق فكري وعاطفي. وحتى لو كان السعودي غير مناسب لها ولم يكن بينهما أي توافق. بل حتى لو أنه لم يأت أصلا أو يطلبها للزواج في المقام الأول.



والغريب أننا بعدها ننوح ونصيح بأن كائن العنوسة يهاجم بيوتنا ويتلبس بناتنا ونحن الذين أغلقنا عليهن الأبواب والخيارات مجتمعيا، وصعبنا سبل ارتباطهن برجال من أرض الله الواسعة رغم بلوغهن سن الرشد (الذي لم يحدد للنساء حتى الآن)، وربما ما بعد سن الرشد بكثير لتجد المزيد من العمر والسنوات يمضي في سبيل استخراج الأوراق والأذونات. أو تخويفها في الأساس من الزواج بغير السعودي نظرا لأنه لن يحق لأولادها أن ينتموا لموطن أمهم، بل والأدهى أنه في حال تزوجت واستقرت في بلاد أخرى فإنه لا يحق لأولادها أن يرثوها في حال الوفاة وغيرها من الإجراءات المعقدة. ترى متى تحول طقس الزواج الذي أتى الإسلام بتيسيره إلى هذا الكم من التعقيد؟ ومنذ متى أصبحت الإرادة الحرة التي كرم الله بها عباده ذكورا وإناثا محاطة بسوج من إرادة الآخرين والتي تبدأ من إرادة الولي حتى لو تعدت العمر الذي تحتاج فيه وليا، أو حتى إن كانت ثيبا، وتمتد لإرادة الأنظمة والقوانين التي تحول شعورك الطبيعي بالفرح إلى إحساس عميق بالسخط والظلم للتضييق عليك في واحد من أبسط حقوقك وأكثرها طبيعية.



لذا دعونا نضع جانبا حجة الحرص والحماية التي تحاول مدارة نفسها خلف الرغبة في التحكم والوصاية، ولنستوعب أننا أمام أجيال جديدة تعيش مفاهيم مختلفة وتتحرر ذاتيا من سلطة العادات والقوالب الاجتماعية. وأن ما سرى على جيل الطيبين، لن يسري أبدا على أجيال تحمل راية التغيير.



hebakadi@