مرزوق تنباك

الإنسان وضجيج المعارك

الثلاثاء - 02 مايو 2017

Tue - 02 May 2017

لكل إنسان في الحياة معركة طويلة لا تنتهي إلا في نهايته الأبدية، تبدأ معركته في يومه الأول مع الناس من حوله، وتستمر حتى آخر أيامه ولا تنقطع إلا بانقطاع أنفاسه وانتقاله من الدنيا إلى حيث تكون المعركة الفاصلة له أو عليه.



ولم تكن معركته واحدة ولكن معارك كثيرة، منها معركته مع ذاته ونفسه ومن يعيش معه ويساكنه أو يعاشره من الأهل والأقرباء والحي والجيران والأصدقاء، وقد يجد أن في محيطه الضيق ما لا يتسع لطموحه وكفاحه الذي يمني نفسه به وما يحقق مطالبه ورغباته البسيطة التي قد لا تكون ذات أهمية تذكر لغيره، ولكنها تشغله في جهاد طويل لا تتضح معالمه ولا تبين خفاياه إلا حين يتجاوزه بالربح أو الخسارة والخروج من النطاق الضيق الذي يزعم أنه يحيط به ويعرقل حريته وانطلاق رغباته وجموح مطالبه، ويظن أن قيود التقاليد والأعراف والضوابط الاجتماعية هي عبء ثقيل وحكم جائر لا يريده وينفر منه ويتعالى عليه، وإحساسه في ضغط تلك الأغلال يكون في شبابه ويفاعته.



ولا يكاد يتجاوز عمر الشباب حتى يقع في معركته الكبرى ليس مع أسرته وعائلته ومن يحيط به لكن مع معركة هو وحده من يواجهها ويتصدى لها ولا يجد معه إلا القليل من حوله، وقد لا يجد معه أحدا، تلك هي معركته مع المال، حين يدرك قيمة المال وتحصيله ومسالك الطرق إليه، ويصبح مضطرا أن يخوضها بكل وسائل الحرب المشروعة في بعض الأحيان وبغير الوسائل المشروعة في أحيان أخرى.



ومعركة المال معركة طويلة لا يتحقق فيها الانتصار ولا يمكن أن تقف عند حدود الثروة والغنى لأن الثروة ستقود لا محالة إلى معارك جانبية كأي حرب تعرف بدايتها ولا يعرف كيف انتهاؤها، فالمال والسلطة وجهان لعملة واحدة، قد يكون المال أولا ثم لا يلبث أصحابه بعد تحصيله عن طلب الرديف الملازم له وهو السلطة فيجتهدون في البحث عنها والوصول إليها.



وقد يصير العكس هو ما يحصل حين تأتي السلطة أولا، ولا تلبث حتى تجر المال إليها، ومعركتا المال والسلطة لا يمكن فك الاشتباك بينهما ولا قيام لواحدة منهما إلا بوجود الأخرى.



وقد تعب علماء الاجتماع والفلاسفة والمنظرون منذ ابن خلدون وقبله وبعده وحاولوا طويلا تفسير الروابط المشتركة بين السلطة والمال والعلاقات القائمة بينهما، وأيهما يكون الأول أهو المال بسطوته وجبروته أو السلطة بقهرها وتكبرها وتجاوزها.



وكم خاضت الأمم والشعوب والجماعات والأفراد هذه المعارك مجتمعة فلا يخلص منها جانب إلا ظهر جانب له جاذبية خاصة تغري من لم يدخل ساحة المعركة مبكرا ألا يتردد في دخولها.



ومن معارك الإنسان غير المال طلب الجاه وعلو المنزلة في المجتمع، والشعور بأن المال وحده لا يكفي ولكن الجاه وراءه مطلب يحتاجه كل صاحب مال إلا القليل، والجاه موضوع مزاحم بكثير من المشكلات والضرورات ولا يلزم أن تكون معركة الجاه ورفعة المكان عند الناس سببها الذي تتحقق به هو المال وحده بل قد يكون الدين وقد تكون العصبية وغيرها، هكذا يقضي المرء عمره في معارك الحياة ومطامح النفس ومطامعها والبحث عن متاعبها في رأي فريق من الناس ولذاتها في رأي فريق آخر. ولا شك أن ناموس الحياة أن تستمر معاركها ولا يهدأ ضجيجها على أي شكل كانت تلك المعارك والضجيج.

وصدق الله: إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى.



[email protected]