حنان المرحبي

نحن والنظام الاجتماعي

الجمعة - 28 أبريل 2017

Fri - 28 Apr 2017

نحن كأفراد، نسعى إلى تحقيق أكبر قدر نستطيعه من الاستقلالية، وبخاصة في الأمور التي تتعلق بخياراتنا الشخصية، وممارساتنا التي تنطلق مما نحب، أو مما وجدنا عليه أنفسنا أو مواهبنا المتنوعة. وأحد السبل إلى تحقيق تلك الاستقلالية هو تقليص الحاجة لدعم الآخرين والاعتماد أكثر على مواردنا الخاصة وتنميتها.

وخياراتنا كأفراد تختلف في أحيان كثيرة عن خياراتنا ونحن ننتمي لمجموعات قائمة، أو لمجتمعات مصغرة (لديها اهتمامات مشتركة) أو لمجتمعنا. هذه المجموعات تسير وفقا لنظام اجتماعي (مجموعة من القيم، العادات، التوقعات)، يحدد السلوك العام المقبول والمرفوض لمن ينتمي إليها. وبالانتماء لتلك المجموعات، سوف نقدم الكثير من التنازلات ونساوم باستمرار بين ما نريد وما يتوقعه النظام الاجتماعي منا، بحيث نتجنب التصادم الحاد معه والذي قد ينشأ عنه سقوط الثقة عنا أو الإقصاء.

في المقابل، نحن كأفراد لدينا دوافع شخصية تتحكم في بعض خياراتنا، وقد تجعل البعض منا يتخذ مواقف متحيزة لمصالحه الخاصة، ولأجل تحقيقها قد يستغل ثغرات النظام (مثال: سلوك الفساد). وبالجانب الآخر، النظام الاجتماعي ليس دائما يسير وفقا لما هو أفضل للأفراد المنتمين له، وإنما لما هو متعارف عليه من قيم وعادات وفرضيات بعضها مكتسبة، أي قد تحاجج بأن الحياة هكذا وجدت، وهذا هو الوضع الطبيعي، لا يهم إن كان هو الأفضل أو لا. مثال حي، حاجة المرأة كفرد لقيادة السيارة باعتبارها وسيلة التنقل الأولى، والأقل تكلفة والأكثر وفرة، ومن الجانب الآخر الرفض الاجتماعي لذلك على افتراض أن الحياة هكذا وجدت لهذا ينبغي أن تستمر كما هي – ليس مهما أن يكون هذا الحال هو الأفضل أو لا.

الأمر العجيب أننا وحتى في صداقاتنا أو داخل عوائلنا نبني مجتمعات مصغرة، ونفرض على أنفسنا محددات سلوك، وآدابا وتوقعات، نبتكر بعضها ونستعير البعض الآخر منها من المحيط الاجتماعي الكبير الذي ننتمي له. وكلما كان اندماجنا بالمجتمع الأكبر عاليا جعلناه المصدر الذي نستعير منه السلوك المقبول ثم نمارس الضغط على بعضنا وأفراد عوائلنا للتوافق معه. والسر خلف كل ذلك هو حاجتنا لبناء الثقة فيما بيننا وبين عالمنا، تلك الثقة التي نعتقد أنها مصدر الأمان والقبول لبعضنا ومن محيطنا ومصدر النمو لذواتنا ومجموعاتنا الصغيرة (عوائلنا أو فرق عملنا «أرزاقنا»).

ونتيجة للضغط الذي نمارسه على بعضنا سوف نصبح متماثلين بدرجة كبيرة في عاداتنا وممارساتنا. لكن هذا لا يعني الإيمان التام بها من قبلنا كأفراد، ومن هنا تنشأ مخاطر ظهور النفاق الاجتماعي لمجاراة الضغط العالي الذي نفرضه على بعضنا بدون مراعاة للاحتياجات الفردية لمن يهمنا أمرهم، ومن هم مضطرون للعيش بيننا، تلك الاحتياجات التي قد لا تجد حتى أذنا تسمعها من دون أن تسيء الحكم أو تفقد الإيمان في أصحابها، بل إن لم نقصها قد نزيد التدخل فيها لإضعافها إذا علمنا بوجودها فهي في اعتقادنا تشكل خطرا علينا كأشخاص أو كمجتمع.

يكافئ النظام الاجتماعي أفراده الداعمين له بمنحهم المزيد من القبول والثقة وأحيانا الموارد، والصلاحيات، أو مقومات البقاء، وهذا ما يجعله قويا ومستمرا ومتسيدا. وطالما ظل هو المتفوق، فمن يخالفه قد يتجاهله أو يقوم بإقصائه أو إضعافه أكثر بتقليص فرصه وصلاحياته أو تهديده في مقومات بقائه ضمن المجموعة إن كان في حاجة لها.

[email protected]

الأكثر قراءة