روسيا ونتائج التحقيقات غير المعلنة
السبت - 15 أبريل 2017
Sat - 15 Apr 2017
اغتيال السفير الروسي في أنقرة، ديسمبر الماضي، أحدث أزمة دبلوماسية ألقت بظلالها السلبية على العلاقات السياسية بين البلدين. فقدان أي حياة بسبب القتل، مهما كان الدافع وراءه، ليس بالأمر الهين على أي شخص لديه ولو القليل من الجانب الإنساني في شخصيته. لهذا يجب اتخاذ إجراءات صارمة، ضد المنفذين والمتعاونين، عند وقوع أفعال على هذا المستوى من الإجرام واللاإنسانية. المعلومات المتداولة حتى الآن تشير إلى أن منفذ الاعتداء كان متأثرا سلبيا بالوضع المأساوي في سوريا والتي كان لروسيا دور كبير فيما آلت إليه الأمور في حلب.
صناع القرار يدركون ما قد تؤول إليه قراراتهم من نتائج ذات تأثير لا يستهان به على أعمالهم، ومن الصعب الاعتقاد بأنهم سوف يكملون على نفس هذا النمط في حال أثبت عدم جدواه. هناك بعض القرارات على الساحة الدولية، تعتبر نتائجها ذات تأثير سلبي على شريحة كبيرة، وقد تؤدي لوضع مأساوي ليس فقط في منطقة الشرق الأوسط بل في العالم بأسره، هذه الأزمة أقرب ما تكون بالحرب العالمية الثالثة.
قتل في الحرب العالمية الأولى ما يقارب 10 ملايين نسمة، بينما في الحرب العالمية الثانية قتل نحو 75 مليون نسمة. هناك سبب لماذا لم نر هذه الأرقام كما حصل عام 1945. من يريد حقا أن يمر العالم بظرف مماثل لهذا مرة أخرى، ولكن ما الموقف في حال تم استخدام هذا النوع من الضغط للطرف الآخر وتحريض الرأي العام الروسي أو الإيراني لتعميق مشاركة روسيا أو إيران داخل سوريا؟ وماذا سيكون الوضع في حال تم تبرير هذا القتل في سبيل إقناع الشعب الروسي أو الإيراني بأن قضيتهم عادلة وأن الخسائر في الأرواح ما هي إلا بعض التضحيات في سبيل مكافحة الإرهاب العالمي؟
بين 04-16 سبتمبر من عام 1999 وقعت سلسلة من التفجيرات دمرت أربعة مبان سكنية في ثلاث مدن روسية وهي موسكو، بويناكسك وفولجودونسك مما أسفر عن مقتل 293 شخصا. هذه الحادثة أعقبت حرب الشيشان الثانية بفترة قصيرة، وقيل إن التفجيرات حدثت بتدبير من الإرهابيين لتوعدهم بالانتقام لشن الحرب عليهم. فقد تم التداول بأن الدافع وراء هذه الحرب وغيرها هو أن يسود الأمن في روسيا لمواجهة خطر الإرهاب العالمي. بحلول عام 2002 بدأ الاقتصاد الروسي ينمو بسرعة، وفي خضم هذا الزخم من التقدم فقد نسي الكثير من الشعب تفجيرات المباني السكنية أو حرب الشيشان الثانية.
من جهة أخرى، فقد تواجدت على الساحة بعض الشخصيات الروسية المعروفة بدفاعها عن حقوق الإنسان مثل سيرجي يوشينكوف، يوري شتشيكوتشين، آنا بوليتكوفسكايا، وألكسندر ليتفينينكو. هؤلاء بذلوا جهودا جادة لتسليط الضوء على هذه التفجيرات، ووجهوا العديد من الاتهامات ضد من يعتقدون أنهم يقفون خلفها. الجدير بالذكر أن هؤلاء جميعهم تم اغتيالهم في الفترة بين 2003-2006.
ففي 17 أبريل 2003 تم إطلاق النار على يوشينكوف وأردي قتيلا بالقرب من منزله في موسكو. بعد ذلك بوقت قصير وفي 3 يوليو 2003 توفي شتشيكوتشين بعد إصابته بمرض غامض ألم به بطريقة مجهولة، وذلك قبل سفره للولايات المتحدة بأسبوعين للاجتماع مع المحققين في مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي.
بالإضافة لهذا، ففي 7 أكتوبر 2006 تم اغتيال آنا بوليتكوفسكايا بإطلاق النار عليها داخل سكنها. بينما في 23 نوفمبر 2006 توفي ألكسندر ليتفينينكو نتيجة لتسمم البولونيوم بعد تعرضه لبعض العناصر المشعة. باختصار، فإن بعض قادة المجتمع المدني قادرون على فتح ملف حادثة تفجيرات المباني السكنية الأربعة، وهناك حاجة لجعلها قضية على أعلى مستوى من الأهمية لأنها هزت المجتمع الروسي، لكن وللأسف اعتبرت من القضايا التي تم تجاهلها عمدا بمرور الوقت. لكن، روسيا اليوم تختلف كثيرا عما كانت عليه عام 1999.
منذ عام 2008 خاضت روسيا حربين، حرب جورجيا وأوكرانيا، والآن تشارك في الصراع الدائر في سوريا وتسيطر على ثلث الأراضي هناك. على الرغم من أن كلا الحربين لم تكلف الدولة خسائر تذكر في الأرواح إلا أن أي حرب تخوضها دولة ما يكون لمشاركتها تبعات سلبية على شأنها الداخلي. الحرب الدائرة في أوكرانيا ذات وضع مستقر، وليس هناك احتمال حقيقي لاندلاع أي معارك في القريب العاجل. مع العلم بأن أي خسائر في الأرواح أو خسائر مالية بشأن كلفة حرب ما يتم تبريرها بأنها ثمن بخس في سبيل الدفاع عن أمنها.
السؤال الذي يتبادر لذهن الجميع، ما هي أهداف روسيا التي تريد تحقيقها بدفاعها عن سوريا؟ هل يعقل أن تنتهي مقاومة المعارضة بمجرد سقوط حلب أو الرقة؟ هل من المتوقع أن يتخلى المقاتلون في أحزاب المعارضة عن قضيتهم، يغادرون ساحة المعركة ويعودون إلى منازلهم بمجرد سقوط هاتين المدينتين؟ مع الاحتفاظ فقط بأمل أن تتحسن الأوضاع عما هي عليه الآن؟
جوزيف ستالين قال ذات مرة «إن فقدان حياة إنسان واحد هي مأساة. أما خسارة حياة مليون إنسان فهذا مجرد إحصائية».
ختاما، لم تعلن أي منظمة إرهابية سواء داخل أو خارج روسيا مسؤوليتها عن تفجيرات المباني السكنية. الإرهابيون يرغبون بأن يتفاخروا بأفعالهم أمام الجميع عند فعلها. الاعتراف بأفعالهم الإجرامية هي من المرات القليلة التي يمكن تصديقهم بها في شيء. مما يطرح تساؤلات عمن يقف خلف اغتيال السفير الروسي، وما أسفرت عنه التحقيقات التي أعقبت اغتياله، ومن المستفيد من كل هذا التخبط. ديفيد ساتار كتب مقالا في مجلة ناشيونال ريفيو وكان مما ذكره في مقاله ويتعلق بتفجيرات المباني السكنية الأربعة «إن أكبر عائق أمام قبول الأدلة الموجودة هو عدم التصديق بأن مثل هذا الشيء قد يكون منطقيا، بأي معيار من المعايير».
صناع القرار يدركون ما قد تؤول إليه قراراتهم من نتائج ذات تأثير لا يستهان به على أعمالهم، ومن الصعب الاعتقاد بأنهم سوف يكملون على نفس هذا النمط في حال أثبت عدم جدواه. هناك بعض القرارات على الساحة الدولية، تعتبر نتائجها ذات تأثير سلبي على شريحة كبيرة، وقد تؤدي لوضع مأساوي ليس فقط في منطقة الشرق الأوسط بل في العالم بأسره، هذه الأزمة أقرب ما تكون بالحرب العالمية الثالثة.
قتل في الحرب العالمية الأولى ما يقارب 10 ملايين نسمة، بينما في الحرب العالمية الثانية قتل نحو 75 مليون نسمة. هناك سبب لماذا لم نر هذه الأرقام كما حصل عام 1945. من يريد حقا أن يمر العالم بظرف مماثل لهذا مرة أخرى، ولكن ما الموقف في حال تم استخدام هذا النوع من الضغط للطرف الآخر وتحريض الرأي العام الروسي أو الإيراني لتعميق مشاركة روسيا أو إيران داخل سوريا؟ وماذا سيكون الوضع في حال تم تبرير هذا القتل في سبيل إقناع الشعب الروسي أو الإيراني بأن قضيتهم عادلة وأن الخسائر في الأرواح ما هي إلا بعض التضحيات في سبيل مكافحة الإرهاب العالمي؟
بين 04-16 سبتمبر من عام 1999 وقعت سلسلة من التفجيرات دمرت أربعة مبان سكنية في ثلاث مدن روسية وهي موسكو، بويناكسك وفولجودونسك مما أسفر عن مقتل 293 شخصا. هذه الحادثة أعقبت حرب الشيشان الثانية بفترة قصيرة، وقيل إن التفجيرات حدثت بتدبير من الإرهابيين لتوعدهم بالانتقام لشن الحرب عليهم. فقد تم التداول بأن الدافع وراء هذه الحرب وغيرها هو أن يسود الأمن في روسيا لمواجهة خطر الإرهاب العالمي. بحلول عام 2002 بدأ الاقتصاد الروسي ينمو بسرعة، وفي خضم هذا الزخم من التقدم فقد نسي الكثير من الشعب تفجيرات المباني السكنية أو حرب الشيشان الثانية.
من جهة أخرى، فقد تواجدت على الساحة بعض الشخصيات الروسية المعروفة بدفاعها عن حقوق الإنسان مثل سيرجي يوشينكوف، يوري شتشيكوتشين، آنا بوليتكوفسكايا، وألكسندر ليتفينينكو. هؤلاء بذلوا جهودا جادة لتسليط الضوء على هذه التفجيرات، ووجهوا العديد من الاتهامات ضد من يعتقدون أنهم يقفون خلفها. الجدير بالذكر أن هؤلاء جميعهم تم اغتيالهم في الفترة بين 2003-2006.
ففي 17 أبريل 2003 تم إطلاق النار على يوشينكوف وأردي قتيلا بالقرب من منزله في موسكو. بعد ذلك بوقت قصير وفي 3 يوليو 2003 توفي شتشيكوتشين بعد إصابته بمرض غامض ألم به بطريقة مجهولة، وذلك قبل سفره للولايات المتحدة بأسبوعين للاجتماع مع المحققين في مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي.
بالإضافة لهذا، ففي 7 أكتوبر 2006 تم اغتيال آنا بوليتكوفسكايا بإطلاق النار عليها داخل سكنها. بينما في 23 نوفمبر 2006 توفي ألكسندر ليتفينينكو نتيجة لتسمم البولونيوم بعد تعرضه لبعض العناصر المشعة. باختصار، فإن بعض قادة المجتمع المدني قادرون على فتح ملف حادثة تفجيرات المباني السكنية الأربعة، وهناك حاجة لجعلها قضية على أعلى مستوى من الأهمية لأنها هزت المجتمع الروسي، لكن وللأسف اعتبرت من القضايا التي تم تجاهلها عمدا بمرور الوقت. لكن، روسيا اليوم تختلف كثيرا عما كانت عليه عام 1999.
منذ عام 2008 خاضت روسيا حربين، حرب جورجيا وأوكرانيا، والآن تشارك في الصراع الدائر في سوريا وتسيطر على ثلث الأراضي هناك. على الرغم من أن كلا الحربين لم تكلف الدولة خسائر تذكر في الأرواح إلا أن أي حرب تخوضها دولة ما يكون لمشاركتها تبعات سلبية على شأنها الداخلي. الحرب الدائرة في أوكرانيا ذات وضع مستقر، وليس هناك احتمال حقيقي لاندلاع أي معارك في القريب العاجل. مع العلم بأن أي خسائر في الأرواح أو خسائر مالية بشأن كلفة حرب ما يتم تبريرها بأنها ثمن بخس في سبيل الدفاع عن أمنها.
السؤال الذي يتبادر لذهن الجميع، ما هي أهداف روسيا التي تريد تحقيقها بدفاعها عن سوريا؟ هل يعقل أن تنتهي مقاومة المعارضة بمجرد سقوط حلب أو الرقة؟ هل من المتوقع أن يتخلى المقاتلون في أحزاب المعارضة عن قضيتهم، يغادرون ساحة المعركة ويعودون إلى منازلهم بمجرد سقوط هاتين المدينتين؟ مع الاحتفاظ فقط بأمل أن تتحسن الأوضاع عما هي عليه الآن؟
جوزيف ستالين قال ذات مرة «إن فقدان حياة إنسان واحد هي مأساة. أما خسارة حياة مليون إنسان فهذا مجرد إحصائية».
ختاما، لم تعلن أي منظمة إرهابية سواء داخل أو خارج روسيا مسؤوليتها عن تفجيرات المباني السكنية. الإرهابيون يرغبون بأن يتفاخروا بأفعالهم أمام الجميع عند فعلها. الاعتراف بأفعالهم الإجرامية هي من المرات القليلة التي يمكن تصديقهم بها في شيء. مما يطرح تساؤلات عمن يقف خلف اغتيال السفير الروسي، وما أسفرت عنه التحقيقات التي أعقبت اغتياله، ومن المستفيد من كل هذا التخبط. ديفيد ساتار كتب مقالا في مجلة ناشيونال ريفيو وكان مما ذكره في مقاله ويتعلق بتفجيرات المباني السكنية الأربعة «إن أكبر عائق أمام قبول الأدلة الموجودة هو عدم التصديق بأن مثل هذا الشيء قد يكون منطقيا، بأي معيار من المعايير».