دخيل سليمان المحمدي

أمانة المنصب أولا

الجمعة - 14 أبريل 2017

Fri - 14 Apr 2017

كعادته اليومية وصل إلى مكتبه الساعة الـ11 صباحا ليجد أمامه طابورا مزدحما من المراجعين المنتظرين وصول سعادته منذ ساعات مبكرة، ليتنفسوا الصعداء وترتسم ابتسامات الفرح والسرور على محياهم ويقفوا له تقديرا واحتراما، ويمر من أمامهم دون أن يلقي نظرة أو تحية أو سلاما، ويقابله المراسل والسكرتير والعامل ويفتحون له باب مكتبه وما هي إلا لحظات حتى تم تجهيز قهوته، بسم الله وعلى بركة الله يبدأ يومه بحديثه لسكرتيره الخاص (لا أحد يدخل علي الآن) بأعلى صوته ليسمع من كان منتظرا، وبعدها بكل أدب يخرج السكرتير للمراجعين ويقول لهم (انتظروا دقائق) مرت دقائق تلو عشرات الدقائق ليرتفع آذان صلاة الظهر، ويخرج السكرتير مجددا ويقول للجميع (أدوا الصلاة وبعدها سيدخل الجميع على سعادته)، يعودون بعد أداء الصلاة يحدوهم الأمل الكبير الذي يتلاشى من جديد بمقابلة السكرتير المسكين (سعادة المدير في اجتماع الآن فقط عند انتهاء الاجتماع سيقوم سعادته بطلبكم)، لقد أشارت الساعة إلى الثانية تماما فإذا بسعادته يخرج من مكتبه متحدثا بجواله تسمع قهقهته يجوب صداها أرجاء المبنى ليعود من حيث أتى بدون سلام أو كلمة اعتذار لهؤلاء المراجعين المساكين الذين تعطلت مصالحهم وتركوا مصادر رزقهم لأجل مقابلته لحل مشاكلهم التي تتعلق بإدارته، أين الطرف الآخر في الاجتماع المزعوم؟ لقد كان في يده ناظرا به وهو يبتسم ليقرأ ما وصل إليه من نكت وتسلية من الأصدقاء، ويكلم بجواله الآخر أحد المتصلين قارئا بعضا من النكت الساخرة التي تم إرسالها له وقت اجتماعه المزعوم. لقد انصرف الجميع بكل هدوء ليعودوا غدا مبكرين ليعيشوا السيناريو نفسه.

ما ذكرته آنفا ليس مجرد تخيل أو قصة قصيرة ليزداد بها مقالي سطورا، بل هو للأسف واقع يعيشه البعض من المجتمع في الكثير من الإدارات، بل هو وصف بسيط لسعادة ذلك المسؤول الذي قلب مفهوم تلك المقولة (العمل تكليف وليس تشريفا)، ليعمل بها معكوسة حسب فهمه ومعياره ومزاجه الخاطئ، لأنه قام على ارتداء وظيفته سترا لجهله، مسيرا عن طريقها مصالحه الشخصية، ونسي الأمانة وجوهر العمل، بل إنه أخذ من اسم مكتبه مكانا يغطي به تجاوزاته، لقد وضع اسمه على مكتبه بعد عبارة سعادة المدير، ووضع عبارة (العمل شرف وأمانة) شعارا له، كما يحلو للبعض تعليقها على جدران مكاتبهم ذات الألوان القاتمة التي تكاد كراسيها تلفظهم لثقل طباعهم وغلظة وجفاء أساليبهم، وما إن تدخل على أحدهم حتى تجده قد جلس خلف تلك الطاولة التي تراكمت عليها أوراق المعاملات ليصعب عليك رؤيته من خلفها، تراه فقط مستغلا منصبه باستغلال تلك الطاولة التي لم تشاهد يوما إنجازا لمن يقبع خلفها.

أشباه سعادته طار بهم المهرجون والمطبلون الذين جعلوهم يتراقصون طربا على إيقاعاتهم ليأخذوا منهم ما يريدون مستغلين جهلهم وضحالة ثقافتهم وأمانتهم.