عبدالعزيز الخضر

ما بعد الضربة الأمريكية؟

الأحد - 09 أبريل 2017

Sun - 09 Apr 2017

جيد ما حدث، مقارنة بالسنوات الماضية التي أخلى العالم فيها الساحة لروسيا وإيران للتحكم بمصير سوريا وقتل شعبها، بدون أي ممانعة سياسية لوضع حد لهذه التدخلات الأجنبية المعلنة. هذه السلبية لكل مؤسسات المجتمع الدولي، كان سببها الرئيس الولايات المتحدة حيث لا تستطيع التحرك بفعالية بدون إرادة أمريكية. قبل يوم الثلاثاء الماضي كانت الأجواء السياسية كلها تسير باتجاه ضوء أخضر للنظام السوري ليكمل المهمة من خلال عدة إشارات، فقبل أسبوع واحد كان الناطق الرئاسي الأمريكي شون سبايسر يقول: « بالنسبة إلى الأسد هناك واقع سياسي علينا قبوله» وتوهم بذلك النظام السوري بأنه لن يتخذ أي إجراء ضده، خاصة أن ترمب في الماضي كان يرفض التدخل العسكري في سوريا، ويدعو في المقابل إلى التركيز أكثر على المصالح الداخلية لبلاده.



خلال الساعات التي تلت جريمة نظام بشار الكيماوية، والتي تضاف إلى رصيده وسجله البشع في جرائم قتل شعبه بالبراميل المتفجرة والأسلحة الكيماوية، كانت الأجواء لم تتجاوز في توقعاتها غير قائمة من الإدانات الجديدة، والتعبير عن القلق، وفي أحسن الحالات لجان دولية للتحقيق تموت فيها القضية ببطء. في هذا السياق بدت قيمة الرد الأمريكي السريع فجر الخميس، ليس لأن الصواريخ أحدثت شيئا تدميريا له قيمة لإعاقة النظام من استمرار جرائمه، وإنما لأنها قدمت رسالة مختلفة عن المتوقع، وفاجأت الجميع بما فيه الداخل الأمريكي، وهي في الواقع تبدو ضربة معلم سياسية في تحقيق عدة أهداف بما فيها تشتيته للمعارك الداخلية ضده، وتبديده الشكوك حول العلاقة مع روسيا، وتغيير العناوين من التحقيقات حول هذه العلاقات المشبوهة إلى حاجة العالم لزعامة صارمة.



هذه الضربة لا تصنف بأنها إجراء حربي، بقدر ما هي استعراض للقوة، وإعادة الهيبة لأمريكا، ولهذا لا معنى لاستغراب البعض من وجود تنبيهات مسبقة لروسيا والنظام بالضربة. هي ليست ضربة حربية، ولهذا ستبقى الأسئلة على ما حدث مفتوحة إلى أي مدى؟ فتأثيرها لن يتضح إلا بعد مرور أشهر، هل هي إرادة تصحيح حقيقية كما أشار وزير الخارجية الأمريكي عن التحول المفاجئ في سياسة بلاده إزاء سوريا: أنه لا يجب أن يكون هناك دور للرئيس بشار الأسد في مستقبل سوريا، أم هي ضربة تكتيكية وتحسين سمعة. فالحديث عن تغيير الأسد كان شعارا أيضا في فترة أوباما، لكنه لم يقدم أي سياسة واضحة عملية، لتحقيق هذا الهدف. لقد كانت السياسة الأوبامية أقرب لتوريط الثورة والشعب السوري، فليس هو الذي رفضها أو دعمها بصورة واضحة منذ البداية.



كانت أصداء الضربة عالميا في الأغلب إيجابية، ومتفهمة للوضع في سوريا، لكن الموقف الفرنسي هو الأكثر وضوحا وأهمية، فحتى لا تكون مجرد ضربة عابرة، دعا الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند لمواصلة الضربة الصاروخية الأمريكية على سوريا، وأضاف تعليقا على الضربة العسكرية «أعتبر أن هذه العملية كانت ردا من الولايات المتحدة.. يجب الآن مواصلتها على المستوى الدولي في إطار الأمم المتحدة إذا أمكن». القضية السورية وصلت إلى نهايات مغلقة، انكشف فيها كل شيء، وتأثرت مصداقية جميع القوى المؤثرة وأنهك فيها الجميع، واليوم لم تعد كلفة نظام بشار الأسد محصورة بالشعب السوري ومحيطه العربي، وإنما تدمير مستمر لبقايا سمعة المجتمع الدولي ومؤسساته، فالتواطؤ الدولي كان واضحا بترك إيران وروسيا تعبثان بمستقبل هذا البلد.



بعد هذه السنوات لم يعد الحديث عن التدخل الأجنبي له معنى. فقد حدث تدخل أجنبي من طرف واحد لخدمة النظام السوري ومنعه من السقوط، فلم يكن يستطيع البقاء بدون هذا الدعم المكشوف. أما بخصوص التدخل تحت شعار محاربة الإرهاب فإن الولايات المتحدة كونت تحالفا دوليا لشن هجمات جوية ضد الجماعات المسلحة في سوريا منذ عام 2014. هذا القصف هو المرة الأولى الموجه للنظام السوري، والذي كان مستفيدا من قصف التحالف للجماعات المسلحة، ولهذا لم يجد أدعياء حكاية السيادة والتنديد بالتدخل الأجنبي مجالا للمناورات اللفظية، فاضطر المحلل السياسي الإيراني محمد علي مهتدي أن يجتر الماضي أزمنة حسابات الحرب الباردة، فيعلق تحت تأثير الصدمة من ما حدث عبر قناة الجزيرة: أين كان الأمريكان عندما قصف صدام حسين الأكراد؟



[email protected]