وقفات مع حديث: عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين

الخميس - 06 أبريل 2017

Thu - 06 Apr 2017

لا يختلف أحد أن الصحيح الثابت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - له قدره وتقديره، وأن السنة وحي قاله الرسول - صلى الله عليه وسلم - في شرع الله تعالى بما أوحى الله إليه من العلم، وأن منزلة أحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم - المصدر الثاني للتشريع بعد القرآن الكريم.

وأن الأحكام الفقيه لا تكون من أهواء الناس، ولا الفتاوى والأقوال والآراء المجردة عن الاستدلال بصريح القرآن وصحيح السنة.

وقد ذهب بعضهم إلى وجوب أخذ الآراء الفقهية المجردة دون دليل من صريح القرآن وصحيح السنة، ويستند بعضهم إلى حديث العرباض بن سارية - رضي الله عنه - (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين... الحديث).

وحديث (اقتدوا بالذين من بعدي من أصحابي أبي بكر وعمر... الحديث).

والمعنى هذا لا يصح، لأنه مبني على مفهوم خاطئ فيما استند عليه من الحديثين المتقدمين وغيرهما من الأدلة، لأن الله يقول في صريح القرآن ﴿يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا﴾.

والمراد بالحديث الشريف (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين)؛ الطريقة والسياسة العامة التي يسوسون بها الأمة، والموافقة لسنة النبي - صلى الله عليه وسلم - لأنه لا يمكن القول إن التمسك بسنة الخلفاء الراشدين والاقتداء بأبي بكر وعمر - رضي الله عنهما - هو الاعتماد على آرائهم الفقهية، وتقليدهم فيها، لأنهم غير مشرعين، وقد يخطئون في بعض الأحيان فيخالفون السنن الثابتة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لعدم بلوغهم السنة.

مثل خفاء سنة الاستئذان على عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - كما في حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - في الصحيحين؛ وإنكار عمر - رضي الله عنه - على عمار بن ياسر - رضي الله عنه - صفة التيمم من الجنابة، كما جاء في القصة التي رواها البخاري ومسلم في الصحيحين، وإنكاره على من قال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد مات، ذهولا عن الآية الكريمة ﴿وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم﴾ كما في حديث عائشة - رضي الله عنها- الذي رواه البخاري في صحيحه.

كما يكون بفعل شيء لا أصل له في الإسلام، «من باب الاجتهاد لا الابتداع في الدين، كما هو الأذان الأول يوم الجمعة الذي هو من اجتهاد عثمان بن عفان - رضي الله عنه - إلا أن عبدالله بن عمر وعلي بن أبي طالب وعبدالله بن الزبير - رضي الله عنهم - قالوا عنه بدعة.

وربما خالف الخلفاء الراشدون بعضهم بعضا في الآراء، فكيف يمكن التمسك برأيين متعارضين والاقتداء بهما مع الخلاف والتعارض؟

كما أن المراد بالخلفاء الراشدين لا يقتصر على الخلفاء الأربعة الذين بعد النبي - صلى الله عليه وسلم- وزمن الخليفة الخامس الحسن بن علي - رضي الله عنه - بل المراد كل من كانت له خلافة على منهاج النبوة، ويستمر الأمر إلى آخر الزمان حين تكون «خلافة على منهاج النبوة» كما في الحديث الذي رواه الإمام أحمد وغيره.

كما يلاحظ في الحديث الآ خر أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال «اقتدوا»، ولم يقل «قلدوا»، وفرق بين الاقتداء والتقليد.

فالتقليد هو: قبول قول الغير من غير حجة أو من غير معرفة الدليل المستند له هذا القول.

أما الاقتداء فهو: يعني الاتباع، وهو قبول قول الشخص أو رأيه لاتباعه للدليل ولما يظهر من فضل قوله وصحة مذهبه.

ونص على هذا المعنى جمع من أهل العلم كالإمام بن حزم - رحمه الله - وابن عبدالبر والخطيب البغدادي وأبوحامد الغزالي، رحمهم الله.

وقد ذهب لمعنى ما كتبته في هذا المقال من بيان مفهوم الحديثين السابقين من معنى التمسك بسنة الخلفاء الراشدين عدد من أهل العلم الثقات لا الدخلاء كالصنعاني في سبل السلام والبرماوي في شرح ألفيته والمباركفوري في تحفة الأحوذي والشيخ محمد صديق خان في عون المعبود، رحمهم الله جميعا.

والخلاصة: أنه ليس المراد بسنة الخلفاء الراشدين - رضي الله عنهم - إلا طريقتهم الموافقة لطريقة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - من جهاد الأعداء وتقوية شعائر الدين ومسائل السياسة الشرعية والحسبة، وأن الحديث عام لكل خليفة راشد ولا يخص الخلفاء الأربعة، رضي الله عنهم.

ومعلوم من القواعد الشرعية أنه ليس لخليفة راشد أن يشرع طريقة غير ما كان عليها النبي - صلى الله عليه وسلم - والسنة هي الطريقة المسلوكة، فسنة النبي - صلى الله عليه وسلم - هي الطريق الذي كان عليها، وسنة الخلفاء الراشدين هي الاعتقادات والأعمال والأقوال، وتسمى السنتان بالسنة الكاملة، التي فيها الجمع بين التشريع والعمل بالاقتداء بمن أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حدود ما أمر.

الأكثر قراءة