تابوت أم موسى

الأربعاء - 05 أبريل 2017

Wed - 05 Apr 2017

كلنا نعرف المثل القائل «الوحدة خير من جليس السوء»، ولكن في أيامنا هذه أعتقد أن هذا المثل قد قتل شر مقتل! فأي وحدة نتكلم عنها؟ لقد أضحت الوحدة شرا محضا، لقد تسلل جليس سوء (لا نراه) إلى هذه الوحدة فأصبحت وحدة كاذبة.

في هذا الزمان ما إن يضع الطفل قدمه على الأرض إلا وقد تلقفه بحر لجي يغشاه موج من فوقه أمواج هي شبهات وشهوات بعضها فوق بعض بسبب ذلك الجليس الذي يراه الابن أو البنت من حيث لا يراه الوالدان.

جليس سوء يصل إلى ذاك الابن وتلك البنت ولو أغلقت دونه الأبواب وأوصدت في وجهه النوافذ. لا، بل ليس جليسا فحسب بل رديفا لهم يتنقل معهم حيثما حلوا وارتحلوا ويتحدث معهم ولكن بصمت.

هذا الجليس كلكم تعرفونه أنه شرور النت التي باتت وسائل التواصل الاجتماعي جسرا ممهدا لوصوله إلى عقول هذا الجيل. إنك لا تستطيع منع ابنك أو ابنتك من اقتناء الجوال، ولا تستطيع أن تمنعهما من استقبال ما يبثه النت من شرور.

لذا، فليس أمامك إلا أن تطبق نظرية واحدة لإنقاذ فلذة كبدك من هذه السموم، إنها نظرية أسميتها نظرية (تابوت أم موسى).

خافت أم موسى (عليه السلام) على ابنها الرضيع فوضعته في تابوت وألقته في اليم، وما خافت عليه من الغرق لأن الله أوحى إليها بذلك، فأنجز وعده لها برده إليها وحفظه كما أخبرنا عز وجل في كتابه الكريم، وأنت أيها الأب وأنت أيتها الأم لا تستطيعان حماية فلذة كبدكما من بحر النت المتلاطم إلا بوضعه في تابوت، ولكنه ليس تابوتا من خشب بل هو تابوت تربوي له خمسة جوانب وغطاء تثبت مع بعضها البعض بمسامير، هذه الجوانب الخمسة هي:

1. القدوة: يجب أن يرى ابنك أو ابنتك فيكما قدوة في الأخلاق الحسنة، ففاقد الشيء لا يعطيه، ولا تنه عن خلق وتأتي مثله.

2. الثقة: أظهر لابنك وابنتك ثقتك فيهما، وابتعد عن الشكوك غير المبنية على دليل ملموس.

3. التوجيه: اختر الأسلوب المناسب والوقت المناسب للتوجيه، مراعيا الحكمة والموعظة الحسنة، موازنا بين الثواب والعقاب.

4. الرفق: اللين والتيسير مع الأبناء مهم جدا جدا، وخاصة في زماننا هذا (ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك).

5. المراقبة: وهذا جانب حيوي، فالمزارع الذي يغفل عن زرعه لا يجني في الغد إلا الهشيم.

هذه الجوانب الخمسة للتابوت، أما عن غطائه فهو التوكل على الله، ومن يتوكل على الله فهو حسبه.

وأما المسامير التي تثبت هذه العناصر الستة مع بعضها فهي الدعوات المستمرة من الوالدين لهؤلاء الأبناء والبنات أن يحميهم الله ويحفظهم فأكثروا من الدعاء لهم (كلما رأيتموهم حاضرين وكلما تذكرتموهم غائبين)، لأنه كلما كثرت مسامير التابوت، زاده الله أمانا ولو ابتعد عنك هذا التابوت قليلا فسيعيده ربك إليك، فإن وعد الله عز وجل لأم موسى (ولا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك)، هو وعد لكل أم ولكل أب بإذنه تعالى إذا وضعوا أبناءهم في هذا التابوت العظيم.

الأكثر قراءة