محنة.. بل منحة

الاثنين - 03 أبريل 2017

Mon - 03 Apr 2017

كنت سأتحدث معكم عن سخافة فكرة التضحية في بعض الأحيان، وأنه ليست كل تضحية عظيمة، بل منها ما يندرج تحت مسمى التنازل لا التضحية، تنازل عن مبدأ، أو عن كرامة، أو حتى عن شخص، أيا كان شكل التنازل، ولكنه يظل سخيفا بائسا أنانيا وبعيدا كل البعد عن الإيثار.

ولكن وضعني القدر أمام تفاصيل أخرى، تفاصيل مؤلمة للنفس، قاسية على القلب والعقل والجسد، تفاصيل ما من دابة على الأرض إلا وكان لها من قسوتها نصيب، ولنكن عادلين -أحيانا- من نعمتها نصيب أيضا!

الفقد كلمة من ثلاثة أحرف تحرك أيام عمرنا كيفما تشاء، تلونه بما تراه مناسبا لنا، قد تكون حياتك وردية فتأتي هي وترى الأسود يليق بها أكثر، فلا تدخر جهدا كي تكمل عملها بأكمل وجه، يا لإتقانها!

فمنذ أول صرخة لنا بهذه الدنيا ونحن نتعلم الفقد، يربينا الله عليه ويذيقنا منه جرعات صغيرة واحدة تلو أخرى، ينسينا مرارته بحكمة عظيمة تتلوه.

نفقد عزيزا فننظر للدنيا أمامنا بعيون بلا معنى، لا نشاهد بل نعاتب، نعاتب كل مار وكل جالس وعلى وجهه ابتسامة، كيف لك بهذا ألم تعرف بما جرى، كيف تكون الحياة وها هو قد رحل، لم لم تقف الدنيا حدادا على فقيدي، ثم سرعان ما تتذكر أن لكل منهم فقيدا وها هي الحياه تمضي!

نحارب في الدنيا ونبذل كل جهد، ونجود بكل طاقة لدينا ببذخ، محدثين أنفسنا: لا بد لي من الوصول إلى الهدف سأتعب وأتعب وأتعب وسأرى الدنيا بعد ذلك من فوق قمة هدفي، فأصحو من كل ذلك وأنا أدنى ما يكون من ذلك الهدف، لحكمة ربي بثها لي عبر أسباب بشرية، فأغضب وأحطم وألون حياتي بأسودها المفضل وأبدأ رحلة عتابي للدنيا وما فيها من جديد.

ولكن ليس كل فقد يكون شخصا، قد يكون حلما، فرحة، أياما من العمر، قد يكون آخر ما تبقى لديك من طاقة وقدرة على احتمال الحياة.

وأيضا ليس كل فقدان سيئا فقد يكون نعمة، فما يفرق ذلك عن تلك سوى نظرتنا الشخصية لابتلائنا، فكثير منا يعلم أن توماس أديسون - مثلا- فقد سمعه كليا في إحدى تجاربه، فقد عظيم وابتلاء كبير، ولكن نظرته لذلك الابتلاء كانت لا تقل في عظمتها عن اختراعه لمصباح ينير الدنيا لوقتنا هذا؛ فتوماس حمد الله أنه - أخيرا - سيعمل في هدوء دون الاستماع لحماقات البشر!

أمعن النظر عزيزي القارئ في عظمة ربك، فلولا قسوة الفقد ما كانت النعم عظيمة، وتذكر دائما أن في كل محنة منحة.. فلنتفكر!

دمتم منعمين.

الأكثر قراءة