شاهر النهاري

مصر والسودان

الاحد - 02 أبريل 2017

Sun - 02 Apr 2017

ما الذي يحدث بينهما، ولماذا نسمع اليوم هذا الجدل العنيف العجيب، فيما كان إلى الأمس القريب جدا مجرد إخاء وتواصل وتكامل وحضارة عريقة مشتركة متكاملة على طرفي النيل، واليوم نجد الخلاف التاريخي يتجدد ويتعاظم.



وأساس الخلاف الأخير بدأ بعد زيارة شخصية خليجية لأهرامات السودان في محاولة منها لتدشين خطط سياحية للأهرامات السودانية والترويج لها.



وقد تلقف الإعلام المصري الأمر بنوع من التشنج، حيث شنوا هجمة عنيفة على السودان وأهراماته، وحضارته، حتى إن أحد المندفعين وصف أهرامات السودان بأنها مجرد «مثلثات جبن»، بالنظر إلى أهرامات مصر.



ولم يسكت الإعلام السوداني، بل إنه انبرى للأمر بطرق لم نتعودها من رقي وسماحة الشعب السوداني.



وقد لا تكون تلك الخلافات بين القاهرة والخرطوم وليدة اليوم؛ فسجل الخلاف بين البلدين ممتد لسنوات كثيرة مضت، وكانت تنبعث على أقل كلمة، زوبعة في فنجان، ثم تختفي، بنزاع على أسبقية بناء الأهرامات ومحاولات إثبات ما إن كانت حضارة الفراعنة بدأت من الجنوب (السودان) وامتدت شمالاً (مصر)، أم العكس، وما يتبعها من خلافات على وجود مياه النيل من الأساس الأبدي، ونهاية بخلافات على منطقة (حلايب وشلاتين)، التي يدعيها كل طرف لنفسه.



الأمر هذه المرة مريب من جميع الجهات، فهل نحن أمام تدمير جديد لآثار شرق أوسطية مثلما حصل لحضارات ما قبل التاريخ في العراق وسوريا، وهل سيستمر هذا السيناريو الغبي الذي يبدأ بإسرائيل وينتهي بها!



الحضارة المشتركة بين البلدين كانت شعارا للتكامل طوال فترات التاريخ وعلى مدى العصور ومنذ فجر التاريخ، ومن يحاول أن يهمش جزءا منها على حساب الآخر فهو بلا شك متورط، درى أو لم يدر، في مؤامرة عظيمة يقصد بها أكثر من السياحة وأكثر من السياسة وأكثر من الأهرامات.



حكومتا البلدين الشقيقين يجب أن تسارعا إلى إخراس ألسن النشاز، وتوطين العلاقات الطيبة والحضارة المشتركة، والتي ليست فقط عربية ولا إسلامية ولكنها تتحدر إلى إنسان أفريقيا الأول وحضاراته التي لا نريدها أن تزول ليصفو الجو لمن يشكك بوجودها، ويريد أن ينسب أهم مكوناتها للجنس اليهودي، باتساع يشمل ما بين النيل والفرات.



والمثقفون في كلا البلدين، يجب أن يتنبهوا لما يحدث، وأن يرتقوا بالنقاش، ليكون منطقيا وتاريخيا ومتوحدا.



سامحونا يا أبناء النيل العظيم، ولكن الثور الأبيض قد ذبح بيننا، وتبعه عدة ثيران ملونة، وعلقت بقايا عظامها وجلودها عبرة لمن يعتبر على شجرة التاريخ، وقد آن للجميع أن يعرف بأن التشتت هو السبب، وهو السكين البارد.



الفقر والأزمات المالية والسياسية يجب أن تجمع العرب، لا أن تفرقهم، وألا تسمح للمتلاعبين بالتاريخ والتراث بتكسير ما تبقى لنا من صداقات وأخوة وإيمان بالوجود القديم الجديد المستقبلي.



[email protected]