مسلَّمة مسلِّمة

السبت - 01 أبريل 2017

Sat - 01 Apr 2017

عنف لا يقبل الترويض كان السبب في وفاة خديجة، من رجل لم يتوان بتفريغ ضغوطاته النفسية على أنثى لا تحتمل تعنيفا لفظيا فكيف بالجسدي!

لا ذنب لها غير أنها تحلم بعواطف جياشة بقفصها الذهبي لتحيا مع شريك يشاطرها العمر بمودة وألفة يغلفه الأمن والسلام. فما تجد إلا قفصا صدئا يشوه أحلاما كانت وردية بلون العتمة، فلا ضوء ولا سماء تنعش الجسد المتهالك.

للمرأة عاطفة تغالب حكم العقل، ما يجعلها في فترة الارتباط الأولى بالشريك (الخطبة) لا ترى إلا لحظات حب وهيام زائف، وسيطرة عاطفة تحجب النظرة العميقة للشريك حتى وإن كانت له تجربة سابقة فاشلة؛ تأخذها الشفقة عليه دون النظر للرواسب السلبية على حياتها، ومن جانب تظلل الحقائق حفاظا على المظهر الاجتماعي لهما، فربما يكون مصابا بأمراض نفسية كالاكتئاب، أو مصابا بتخلف عقلي وعته أو بله، أو يعاني الفصام الذي يسبب تخيلات غير طبيعية وتوهمات؛ ولربما عاناه زوج خديجة معنفة الشرقية حتى الموت (رحمها الله) مع حساب أضرار آفة الإدمان على المواد المخدرة وارتباطها الوثيق بدمار الأسر.

ألم يتساءل المجتمع عن قصة تلك المعنفة من قبل زوج مضطرب حتى ألقت بنفسها للتهلكة من نافذة الدور الثالث في المبنى الذي حوى شقتها!؟ يؤسفني يا مجتمعي أن أوجه إليك كل أصابع الاتهام، بنظرة سوداوية راسبة أعمت الفكر وعبرت الأزمان بأن الطلاق أكبر المنكرات؛ وأبغض الحرام.

دعوات باهتمام دون قيد وشرط تصدر من دعاة للتحرر والاختلاط والقيادة وتهاون بإيضاح الحقوق للمرأة والعقوبات الرادعة لمن يحاول الإخلال، (أمثل الآن مكانك يا خديجة، بنفس خديجة، مُسَّلَّمَةٌ مُسَلِمة) أيتها الأنثى الراحلة أنظر من حيث نظرتي إلى تلك النافذة؛ فما الذي يدفعني للإلقاء بنفسي!

أقف وحيدة بعد ما طرقت سبل الحلول والشكوى، مظلم عقلي فرغم اتساع الكون لا مئوي، نبضات تتزايد وضيق تنفس، وخوف يجتاحني وعتمة تسود شيئا فشيئا؛ مجتمعي يرفض طلاقي ولا رجل ينصفني ولا دار قضاء تقبلني دون محرم، من يسعفني من مجرم يصب جل الانفعال علي وبعين المجتمع هو قويم، حيوانات لها حقوق وأنا مسلوبة.

هناك باتجاه النافذة هواء كاف لأتنفس، أنظر له من ثقب حياتي فتأخذني إليها خطوات متراجعة، يدعوها للإقدام صوت وحش بشري سينقض علي ليجبرني على توقيع ورقة تحمل ظلما يفقدني شرف أخلاقي مقابل حريتي، يصمت العالم الآن مستمعا لارتطام أوراق عمري المتطايرة مع الريح.

عذري منك يا خديجة، لا أحتمل مشهد الدماء، أعود للواقع لأخبر بأنك امرأة حرة اشترت كرامتها وشرفها بشلل جسدها، فقد الجسد الحس فما فائدته بمشاعر ميتة.

لم تمكث طويلا لتفرح بطلاقها حتى داهمها الموت وهي ملازمة لكرسيها المتحرك، رحمة الله عليك يا ضحية سلسلة لن تنقطع حلقاتها. فسبقتها بعام (خضرة) ضحية عنف في مدينتي، ولكنها لم تمت قهرا لأنها لم تكن مُسَّلِمَةً بل مُسَلَّمة؛ قتلت أمام أطفالها غدرا من زوج لا تعرف الرحمة لقلبه طريقا. كم من خديجة وخضرة سيذهبن ضحايا العنف الزوجي؟! وافتهن المنايا وقصصهن تحيا بأعناق مجتمع.

الأكثر قراءة