ظهور وجه المرأة السعودية في الصحافة
الأحد - 26 مارس 2017
Sun - 26 Mar 2017
الموضوع هنا ليس عن بدايات ظهور المرأة في الصحافة السعودية ككاتبة مقال ثم كصحفية، وعادة ما يشار إلى هذه البدايات المبكرة بطرق تجميعية متواضعة بدون تحليل لجوانب عديدة، وإنما الإشارة إلى جانب مفقود من حكاياتنا الإعلامية الكثيرة، كمسألة ظهور صورة وجه المرأة السعودية في إعلامنا، فقبل أسبوعين تم تداول صورة بتويتر عن الاجتماع الأول لمجلس الفتيات بمنطقة القصيم، وأخذ البعض يعلق عليها، لأنه لا يوجد في صورة الخبر نساء.. فجميعهم رجال، وهي ليست المرة الأولى، وسبق أن تم تداول صور مشابهة في مناسبات أخرى، وكان يمكن تجاهلها في سياق دعابة طارئة بدون الدخول في التفاصيل، لكن كالعادة تأخذ هذه السواليف التويترية بانتقائية صحف أجنبية!
منذ نصف قرن تراكمت أعراف في المجال الإعلامي السعودي تختلف ليس فقط من مرحلة إلى أخرى، وإنما أيضا من وسيلة لأخرى، ويدرك ذلك من خلال الخبرة بالمجال والمتابعة الطويلة، فلن تجد هذه الفوارق مكتوبة بمواد نظامية، فالإذاعة لها أعرافها وضوابطها، والتلفزيون له مساره الخاص وضروراته، والصحف والمجلات لها ضوابطها في النشر، وهناك أيضا الصحافة السعودية التي تكون بتصريح من الخارج وتوزع في الداخل، ثم جاء بعدها عصر الفضائيات، التي هي امتداد للنشر الصحفي السعودي خارجيا وموجه للداخل. فما هي التعرجات التي مر بها إعلامنا منذ الستينات بخصوص ظهور صورة المرأة بصورة عامة. في بداية نشوء التلفزيون، وهو التحول الأصعب في تلك المرحلة، سمعت بعض ملامحها شخصيا من معالي الشيخ جميل الحجيلان وزير الإعلام الأبرز في إدارة ذلك التحول الكبير، وآمل أن ينشر تفاصيل هذه البدايات.
تلفزيون نهاية الستينات والسبعينات هو جزء من ذاكرة جيل سعودي واسع، شكل وعيه، واطلع على العالم من خلاله، وكان جزءا رئيسا من تغيير الوعي الاجتماعي كليا، ولأن التلفزيون كان مضطرا عمليا للانفتاح على مواد تلفزيونية؛ مسلسلات، مسرحيات، أغان وبرامج متنوعة.. تنتج في دول عربية كانت أكثر انفتاحا في ظهور المرأة من الصحافة التي كانت أقل سقفا في ظهور المرأة. في مسألة ظهور المرأة هناك نوعان يجب أن تميز بينهما وتضع تحتهما خطا، فهناك ضوابط لظهور المرأة بصورة عامة، وضوابط أشد لظهور المرأة السعودية. لقد ظهرت مبكرا بعض الأسماء، خاصة في برامج الأطفال مع وفاء ودنيا بكر يونس، لكن في الصحافة المحلية لم يكن متاحا ظهور المرأة السعودية، حتى لو أرادت الكاتبة وضع صورتها فلن يسمح لها، وهذا لا علاقة له بالصحوة فهو قبل الصحوة وبعدها. بخصوص صورة المرأة في الصحافة كانت الرقابة أشد بسبب أن الصحف تصل لفئات محافظة من مشايخ ما قبل الصحوة بعكس التلفزيون الذي لا يكون موجودا عند أكثرهم. في أواخر السبعينات بدأت المجلات السعودية تضع صورا قليلة للمرأة ملونة من خلال الإعلان عن منتجات جديدة كالغسالات والأجهزة الكهربائية الحديثة، واستمرت بهذا الاتجاه حتى بعد جهيمان، إلى منتصف الثمانينات ثم بدأت تتقلص، حيث جاءت الصحوة واعتبرت كثيرا من الضوابط التي كانت موجودة بسبب دور المشيخة التقليدية مكاسب يجب المحافظة عليها، وهو ما حدث لكن في جوانب محددة، ولهذا فالذي يتباكى بأن الصحوة حجبت عنه العالم ليس صحيحا، فهذه مشكلته هو واختياراته، فالفيديو كان موجودا، والمجلات النسائية والأزياء تأتي بكل أنواعها من أقصى الشرق والغرب، في كل المدن والسوبرماركت، ومكتبات تجارية كبيرة عبر رفوف طويلة بعشرات الأمتار. بخصوص التلفزيون كان هو الأكثر وضوحا في التغيير وتقليص ظهور المرأة، لكن المسلسلات استمرت؛ المصرية والكويتية والأردنية، واشتهرت منها أعمال تاريخية شاهدها أغلب المجتمع، واستمرت المسلسلات البدوية وتظهر فيها المرأة وكان لها جمهور واسع حتى في مرحلة قوة الصحوة. لقد كان يوجد في هذه المرحلة سقف آخر مفتوح، هو سقف السينما العربية ممثلا بالفيديو، وأيضا صحافة نسائية وأبرزها عصر مجلة سيدتي السعودية، وهذا إعلام سعودي له سقف مختلف بخصوص المرأة وقضاياها، ومع ارتفاع سقف هذه المطبوعات المحلية الخارجية فإنه أيضا غير متاح فيها نشر صورة وجه المرأة السعودية.
إذن سنلاحظ بأن ظهور وجه المرأة السعودية ظل تاريخيا له رقابة رسمية خاصة قبل وبعد الصحوة، وممنوع من النشر في الأصل. في أواخر الثمانينات إلى نهاية التسعينات انخفض ظهور صورة المرأة بصورة عامة في الإعلانات بالصحف اليومية وبعض المجلات التابعة لها، واستمرت أعمدة الكاتبات بدون صورهن حتى لو أردن وضعها، وكان يوضع بدلا من ذلك رسمة الوردة الشهيرة. بعد عام 2000 كان زخم المتغيرات بتقنية الاتصال يتزايد، ويعيد تشكيل الأولويات، فبدأت تظهر الصحف اليومية تدريجيا صورا للمرأة ببعض المناسبات، ولهذا نجدها في تغطية مباريات كأس العالم ومناسبات رياضية أخرى، لا تعرض إلا صور نساء من المدرجات بصورة يومية، بدون الحاجة لها.. كمحاولة للاستفادة من جانب تسويقي كان غير متاح لها في الماضي، ومع ذلك أيضا تأخر ظهور صورة وجه المرأة السعودية. لكن مع بدايات انتشار صور لأكثر من كاتبة وصحفية ومذيعات جديدات، بدأت مع مواقع التواصل أيضا تظهر بعض الصور لنشاطات سعوديات في أكثر من مجال، انخفضت بعدها الموانع الرسمية عرفيا لظهور وجه المرأة السعودية في الصحف المحلية. وأصبح للمرأة السعودية الخيار الشخصي بنشر أو حجب صورتها، في المناسبات والمؤتمرات واللقاءات. لقد أصبح ظهور وجه المرأة في الصحف قرارا شخصيا تبعا لمحيطها الاجتماعي الخاص بها، ورؤيتها الدينية، فقد تجد ناشطات جدا في قضايا المرأة لكن لا يستطعن وضع صور وجوههن في تويتر وغيره، فاليوم عمليا انتهى المانع الرسمي في نشر صورة الوجه، لكن بقي تأثير المانع الاجتماعي، وتأثير الرأي الديني الفقهي وهو مهم لكن خارج موضوع هذا المقال.
[email protected]
منذ نصف قرن تراكمت أعراف في المجال الإعلامي السعودي تختلف ليس فقط من مرحلة إلى أخرى، وإنما أيضا من وسيلة لأخرى، ويدرك ذلك من خلال الخبرة بالمجال والمتابعة الطويلة، فلن تجد هذه الفوارق مكتوبة بمواد نظامية، فالإذاعة لها أعرافها وضوابطها، والتلفزيون له مساره الخاص وضروراته، والصحف والمجلات لها ضوابطها في النشر، وهناك أيضا الصحافة السعودية التي تكون بتصريح من الخارج وتوزع في الداخل، ثم جاء بعدها عصر الفضائيات، التي هي امتداد للنشر الصحفي السعودي خارجيا وموجه للداخل. فما هي التعرجات التي مر بها إعلامنا منذ الستينات بخصوص ظهور صورة المرأة بصورة عامة. في بداية نشوء التلفزيون، وهو التحول الأصعب في تلك المرحلة، سمعت بعض ملامحها شخصيا من معالي الشيخ جميل الحجيلان وزير الإعلام الأبرز في إدارة ذلك التحول الكبير، وآمل أن ينشر تفاصيل هذه البدايات.
تلفزيون نهاية الستينات والسبعينات هو جزء من ذاكرة جيل سعودي واسع، شكل وعيه، واطلع على العالم من خلاله، وكان جزءا رئيسا من تغيير الوعي الاجتماعي كليا، ولأن التلفزيون كان مضطرا عمليا للانفتاح على مواد تلفزيونية؛ مسلسلات، مسرحيات، أغان وبرامج متنوعة.. تنتج في دول عربية كانت أكثر انفتاحا في ظهور المرأة من الصحافة التي كانت أقل سقفا في ظهور المرأة. في مسألة ظهور المرأة هناك نوعان يجب أن تميز بينهما وتضع تحتهما خطا، فهناك ضوابط لظهور المرأة بصورة عامة، وضوابط أشد لظهور المرأة السعودية. لقد ظهرت مبكرا بعض الأسماء، خاصة في برامج الأطفال مع وفاء ودنيا بكر يونس، لكن في الصحافة المحلية لم يكن متاحا ظهور المرأة السعودية، حتى لو أرادت الكاتبة وضع صورتها فلن يسمح لها، وهذا لا علاقة له بالصحوة فهو قبل الصحوة وبعدها. بخصوص صورة المرأة في الصحافة كانت الرقابة أشد بسبب أن الصحف تصل لفئات محافظة من مشايخ ما قبل الصحوة بعكس التلفزيون الذي لا يكون موجودا عند أكثرهم. في أواخر السبعينات بدأت المجلات السعودية تضع صورا قليلة للمرأة ملونة من خلال الإعلان عن منتجات جديدة كالغسالات والأجهزة الكهربائية الحديثة، واستمرت بهذا الاتجاه حتى بعد جهيمان، إلى منتصف الثمانينات ثم بدأت تتقلص، حيث جاءت الصحوة واعتبرت كثيرا من الضوابط التي كانت موجودة بسبب دور المشيخة التقليدية مكاسب يجب المحافظة عليها، وهو ما حدث لكن في جوانب محددة، ولهذا فالذي يتباكى بأن الصحوة حجبت عنه العالم ليس صحيحا، فهذه مشكلته هو واختياراته، فالفيديو كان موجودا، والمجلات النسائية والأزياء تأتي بكل أنواعها من أقصى الشرق والغرب، في كل المدن والسوبرماركت، ومكتبات تجارية كبيرة عبر رفوف طويلة بعشرات الأمتار. بخصوص التلفزيون كان هو الأكثر وضوحا في التغيير وتقليص ظهور المرأة، لكن المسلسلات استمرت؛ المصرية والكويتية والأردنية، واشتهرت منها أعمال تاريخية شاهدها أغلب المجتمع، واستمرت المسلسلات البدوية وتظهر فيها المرأة وكان لها جمهور واسع حتى في مرحلة قوة الصحوة. لقد كان يوجد في هذه المرحلة سقف آخر مفتوح، هو سقف السينما العربية ممثلا بالفيديو، وأيضا صحافة نسائية وأبرزها عصر مجلة سيدتي السعودية، وهذا إعلام سعودي له سقف مختلف بخصوص المرأة وقضاياها، ومع ارتفاع سقف هذه المطبوعات المحلية الخارجية فإنه أيضا غير متاح فيها نشر صورة وجه المرأة السعودية.
إذن سنلاحظ بأن ظهور وجه المرأة السعودية ظل تاريخيا له رقابة رسمية خاصة قبل وبعد الصحوة، وممنوع من النشر في الأصل. في أواخر الثمانينات إلى نهاية التسعينات انخفض ظهور صورة المرأة بصورة عامة في الإعلانات بالصحف اليومية وبعض المجلات التابعة لها، واستمرت أعمدة الكاتبات بدون صورهن حتى لو أردن وضعها، وكان يوضع بدلا من ذلك رسمة الوردة الشهيرة. بعد عام 2000 كان زخم المتغيرات بتقنية الاتصال يتزايد، ويعيد تشكيل الأولويات، فبدأت تظهر الصحف اليومية تدريجيا صورا للمرأة ببعض المناسبات، ولهذا نجدها في تغطية مباريات كأس العالم ومناسبات رياضية أخرى، لا تعرض إلا صور نساء من المدرجات بصورة يومية، بدون الحاجة لها.. كمحاولة للاستفادة من جانب تسويقي كان غير متاح لها في الماضي، ومع ذلك أيضا تأخر ظهور صورة وجه المرأة السعودية. لكن مع بدايات انتشار صور لأكثر من كاتبة وصحفية ومذيعات جديدات، بدأت مع مواقع التواصل أيضا تظهر بعض الصور لنشاطات سعوديات في أكثر من مجال، انخفضت بعدها الموانع الرسمية عرفيا لظهور وجه المرأة السعودية في الصحف المحلية. وأصبح للمرأة السعودية الخيار الشخصي بنشر أو حجب صورتها، في المناسبات والمؤتمرات واللقاءات. لقد أصبح ظهور وجه المرأة في الصحف قرارا شخصيا تبعا لمحيطها الاجتماعي الخاص بها، ورؤيتها الدينية، فقد تجد ناشطات جدا في قضايا المرأة لكن لا يستطعن وضع صور وجوههن في تويتر وغيره، فاليوم عمليا انتهى المانع الرسمي في نشر صورة الوجه، لكن بقي تأثير المانع الاجتماعي، وتأثير الرأي الديني الفقهي وهو مهم لكن خارج موضوع هذا المقال.
[email protected]