مرزوق تنباك

هل نعود للتاريخ أو نتوجه للمستقبل؟

الثلاثاء - 14 مارس 2017

Tue - 14 Mar 2017

العودة للتاريخ والبحث في صفحاته مريح نفسيا لأكثر الناس الذين يجدون فيه بعض التعويض عما يعانون أو يتصورون من حاضرهم العاجز وغير المريح، فيكون هروبهم إلى طوايا الماضي وأحداث التاريخ سلوة، وهو الملاذ الذي يلجؤون إليه ويعتزون به ويفخرون بما فعل أسلافهم في ذلك الزمن البعيد، وينسون العمل لحاضرهم البائس الذي يعيشونه في واقع حياتهم وهو ما يجب عليهم الاهتمام به، فهو أجدى من النظر في الماضي والانشغال به. ليست هذه الكلمة دعوة لترك التاريخ والإعراض عنه، ولا للتنكر للماضي الجميل الذي وعته الذاكرة الإنسانية واحترمته الحضارات، ومن ذا الذي لا يستند على سور رفيع من الماضي قد يكون هذا السور من صنع أمته حتى ولو بعد به العهد إن كان أمميا أو من صنع أجداده وأسرته إن كان عصاميا يستند إلى ما يحدثه به أجداده وقومه أو حتى إن كانت أحداث التاريخ من صنع خياله وتصوره للماضي الذي يراه كما يريد ويحمله كل الإنجازات التي يعجز عنها وتقصر دونها همته.



التاريخ عند كل الأمم مقدر ومعتبر ولكن لا يكون التغني بالتاريخ والهيام به هدفا بحد ذاته، ولا تكون العودة إليه ونبش ما فيه من أحداث غرضا يتسلى به الناس وينسون النظر في حاضرهم لانشغالهم بماضيهم وهيامهم في تاريخهم، كل الأمم تعتز بتراثها وتاريخها وتدرسه في مدارسها وجامعاتها ولكن هناك فارق كبير بين أن تفخر الأمة بالتاريخ وتحرص على ذكر الجميل منه للعبرة والاعتبار وبين من يريد أن يبعث أحداث التاريخ ليكون جزءا من حاضره أو موجها له ومتحكما في حياته أيا كان نوع التحكم الذي يحيل إليه عشاق التاريخ ويطالبون به، التاريخ لا يمكن أن يعود ولا تعود أحداثه وإن ردد الناس الكلمة المأثورة التاريخ يعيد نفسه.



مساحة الحاضر والانشغال به والتفكير فيما يصلح للناس وما ينفعهم في حياتهم وييسر أمرهم فيها هي غاية المصلحين الحقيقيين الذين يعيشون الحاضر بكل أغراضه وغاياته، ويسرعون الخطى إلى الإنجاز والاكتشاف والبحث في وسائل العصر واستشراف المستقبل ووضع الأولويات، حتى يتوجه الشباب إلى الأمام ويفكروا فيما ينفعهم ويحددوا الطريق الذي لا يعود بطموحاتهم إلى الخلف. يجب أن تهتم الأمة كلها وأن تبحث عما يسعفها في بحثها مما هو موجود ومعاصر ومتجدد. إن الناس أبناء حاضرهم وليسوا أبناء ماضيهم، والغوص في عمق التاريخ والاهتمام بتفاصيل أحداثه يلهيان الناظرين عما هو أولى بمصالحهم.



إن ما يملأ مجالسنا ويشغل الكثير منا هو الجدل الذي يحتد بين فريقين كل منهما يأخذ بطرف الحبل الذي يمسك به ويجره إلى جهته التي يتوجه إليها فريق يتغنى بالماضي ويعشقه ويرى كل شيء جاء فيه ومنه درة يجب الحفاظ عليها وطريقا معبدا لا يريد الخروج منه إلى ما يجد من الطرق والوسائل، وحجة هؤلاء الغالبة أنه ليس في الإمكان أبدع مما كان، هذا الفريق له حضور قوي في المجتمعات التقليدية التي تخاف من التحرك إلى الأمام وإلى خطوات المستقبل المجهول بالنسبة لها.



أما الفريق الثاني فهم هؤلاء الذين يعرفون حدود الماضي وما يراد منه وما يصلح أخذه وما يجب تركه، ويعرفون الحاضر ويعملون له وللمستقبل، وهم يرون أن الماضي للعبرة والحاضر للتجربة والخبرة، ولا شك أن ازدهار الحاضر والمستقبل هو غاية الإنسان ووظيفته في تعمير الأرض واستخلافه فيها وإسعاد البشرية، ومن من الناس الذي لا يريد أن يعمر الأرض لصالح البشر ويسعد نفسه بعمله ويسعد الآخرين بما يقدم للحياة والناس.



[email protected]