قصة ملهاة

الخميس - 09 مارس 2017

Thu - 09 Mar 2017

قراءة التاريخ كقصص ملهاة، وحكايات للسمر لا تعدو أن تكون محاولة بائسة لتفريغه من دوره الحقيقي، ونزعه من قيمته الأصيلة وأهدافه النبيلة، وإلا لما كان يدرس في جامعات العالم، بل وتفرد له التخصصات، وتمنح فيه أعلى الدرجات. فإذا أردت أن تتعرف على أمة ما فعليك أولا بقراءة تاريخها لتعلم ماضيها الذي هو بالضرورة امتداد لحاضرها، والذي يجعل الأمم تعيش على إرث ذلك التاريخ مستلهمة منه بصيص النور، ومتحاشية هالات السواد فيه، فإذا نظرنا إليه بكلية العقل، وبحثنا فيه بغوص عميق، وربطنا أجزاءه بواقع معاش، فهو الرسم المهم لخارطة المستقبل من وحي قراءات الماضي، مسترشدين في ذلك بمسطرة السنن الكونية، والقوانين الإلهية التي حوتها الآيات القرآنية، وليس أدل على ذلك من القصص التي ذكرها الله في القرآن العظيم، كما في قوله تعالى «وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك وجاءك في هذه الحق وموعظة وذكرى للمؤمنين»، يوسف (120) أما بالنسبة للعلماء والباحثين فإن قراءة التاريخ وتأمله كنز ثمين للبحث في بحور العلوم لصناعة القواعد، وصياغة النظريات، وخلق الوعي، كما في «نظرية العصبية» لعبدالرحمن بن خلدون و»القابلية للاستعمار» لمالك بن نبي «وسيكولوجيا الجماهير» لجوستاف لوبون.

وكأمة انفصلت مجازيا وضمنيا عن قراءة تاريخها وفهمه، واستشراف ما فيه من جمال، وتحاشي عثراته، والسير على نهج تأسيسه الراقي حتى راود بعضنا الإحساس بأننا أمة لفظتها أمواج الزمن على سواحل من العدم الحضاري، وبتنا كالأيتام في مأدبة اللئام، على الرغم من أننا نملك من الماضي المجيد ما يجعلنا نفخر أمام العالمين بأننا أمة أسست أعظم حضارة عرفتها البشرية، حضارة نهضت وتسيدت العالم في أقل من قرن ولم تتلاش كما تلاشى غيرها من الحضارات، لأنها حضارة قيم وأخلاق وسلوك قويم أقرها الله سبحانه وتعالى، باعثا بها نبي الرحمة للعالمين صلى الله عليه وسلم، أنارت أوروبا في العصور الوسطى التي كانت توصف بأنها عصور الظلام وهذا بشهادة المستشرقين الغربيين أنفسهم، كما في كتاب «شمس الله تشرق على الغرب» للمستشرقة الألمانية الدكتورة زجريد هونكه، والألماني الآخر برتلي هيلر في كتابه «الشرقيون وعقائدهم»، والفرنسيان المستشرق وعالم الاجتماع ميشون ميلليور الذي قيل إنه اعتنق الإسلام، والطبيب والمؤرخ جوستاف لوبون. وهو ما تعلمه الأعداء وتداركوه وفهموه واستنتجوه لذا حاولوا بشتى الوسائل تسطيح العقليات للأمة، وتفريغ الاهتمامات في ظل سيطرتهم على الوسائط والأدوات الموجهة التي يمتلكونها، وترسيخ مفهوم الماديات على حساب الغايات، والعبث برزنامة الأوليات، حتى أصبحنا مثارا للتندر والسخرية، وهو ما تحدث به صراحة وزير دفاع الاحتلال الصهيونى في ستينات القرن الماضي موشي ديان حين قال «إن العرب لا يقرؤون وإذا قرؤوا لا يفهمون وإذا فهموا لا يطبقون».

الأكثر قراءة

جميلة عادل فته

رجال الأمن.. رجال