صناعة المستقبل

الأربعاء - 08 مارس 2017

Wed - 08 Mar 2017

تستورد المملكة معظم احتياجاتها من الخارج وهذه مشكلة اقتصادية كبيرة، وبالتالي لا بد من العمل على زيادة الإنتاج المحلي في كل المجالات، خاصة المجال الصناعي، فنحن لدينا الإمكانات التي تؤهلنا لإحداث نقلة اقتصادية للبلاد، إذا ما تم استثمار مواردنا الطبيعية والبشرية بالشكل الأمثل، فعلى سبيل المثال نحن من أكبر منتجي النفط على مستوى العالم، ورغم ذلك استوردنا 31.4 مليون برميل من البنزين خلال 2014 لسد الطلب المحلي حسبما أظهره تحليل لوحدة التقارير الاقتصادية في صحيفة «الاقتصادية «، وهو ما يعني أننا نصدر النفط الخام بثمن بخس، ونستورده في شكل بنزين ومواد أخرى بأسعار مضاعفة، وأيضا نحن من أكبر الدول المصدرة للجلود في العالم، ويبلغ إنتاجنا 346 مليون دولار وفقا لـ»يورو مونيتور إنترناشيونال» للأبحاث، ويعد هذا المبلغ زهيدا للغاية إذا ما قورن بحجم الجلود التي نستوردها بالمليارات مرة أخرى على شكل أحذية وحقائب وملابس وأشياء مختلفة، أليس هذا من المفارقات التي تستحق التعجب.

ولك أن تعلم أن صناعة الدواء من الصناعات الواعدة لدينا، خاصة أنها ثاني أكبر صناعة ربحية في العالم بعد صناعة السلاح، ويبلغ حجمها ما بين 750 مليار دولار إلى تريليون دولار وفقا لتقديرات مختلفة، أما صناعة الدواء لدينا فتمثل 80% من إجمالي أسواق الخليج وتتخطى قيمتها الـ13 مليار دولار وفقا لدراسة أعدها أستاذ مخاطر الدولة بالجامعة الخليجية الدكتور محمد خيري، وهي في حاجة إلى الاهتمام لأنها صناعة استراتيجية ومن الممكن أن تكون إحدى دعائم الاقتصاد، ومن المتوقع أن تصل صناعة الأدوية في دول مجلس التعاون الخليجي إلى 10.8 مليارات دولار وفقا لتقرير «ألبن كابيتال»، حول صناعة الدواء.

ونمتلك أكبر مخزون من المعادن في منطقة الشرق الأوسط، كالذهب، والفضة، والنحاس، والمنجنيز، والفوسفات، والألمنيوم والحديد، ولكننا إلى الآن لم نستغلها الاستغلال الأمثل، ولعل مشروع الفوسفات المشترك بين شركة سابك وشركة معادن وشركة موزاييك الذي تبلغ تكلفته 96 مليار دولار بادرة خير لتنمية هذا القطاع، فالاستثمار في الفوسفات فقط سيؤدي إلى نمو قطاع التعدين في عام 2017 بنسبة 7% وفقا لشركة جوى للاستثمار، وسيصبح هذا المشروع بعد اكتماله في هذا العام إن شاء الله أحد أكبر مجمعات الفوسفات المتكاملة في العالم ضمن الاقتصاد غير النفطي.

لا تزال الصناعة المحلية لا ترقى لمستوى الأجنبية، وتعاني من العديد من المشاكل، من أهمها الافتقار لمراكز الأبحاث والتطوير، وعدم دعمها بالشكل المناسب، ولذلك من الضروري توفير مراكز أبحاث لتطويرها، والعمل على تشجيعها من خلال وضع ضوابط لحمايتها مثل منع استيراد السلع التي يوجد مثيل لها أو زيادة الجمارك عليها، ومنع استيراد السلع لا بد أن يكون موقتا لحين إقامة قاعدة صناعية قادرة على منافسة المنتجات الأجنبية، لأن منع هذه السلع بشكل مطلق لن يؤدي إلى إقامة صناعة وطنية قادرة على المنافسة عالميا، ولا أقصد من خلال حديثي عن صناعة الجلود والأدوية والمعادن التركيز عليها فقط، بل هذه أمثلة بسيطة جدا على أهيمه الاهتمام بالصناعة بشكل عام.

ويرى الخبراء أن تطور الصناعة في الدول المتقدمة مقترن بالاستثمار في الموارد البشرية، فرأس المال البشري أحد العوامل الرئيسة التي أسهمت في نمو الاقتصاد الكوري بأكثر من 8% سنويا منذ أوائل الستينات، حيث لعبت الموارد البشرية المتعلمة جيدا دورا رئيسا في امتصاص التقنية المتقدمة من البلدان المتطورة، ولعبت دورا في نمو إنتاجية العمل بمعدل 5.1% سنويا خلال الفترة من عام 1990-1995، وزاد معدل تسجيل طلبات براءات الاختراع بمعدل سنوي مقداره 6. 24% خلال الفترة من عام 1991-2001 وهي الأعلى في كل دول العالم.

ركزت كوريا الجنوبية على الاستثمار في مواردها البشرية فرفعت نسبة الإنفاق على التعليم من 2.5% سنة 1951 إلى أكثر من 23% من الميزانية بحلول الثمانينات، وبلغ عدد الطلبة الذين يدرسون في الشعب التقنية والعلمية نحو 70% من مجموع الطلبة سنة 1980، وبلغ عدد طلاب الجامعات الملتحقين بكليات الهندسة 27.2 %، وقامت الدولة بالتوسع في مراكز التدريب المهني والكليات التقنية فأنشأت 26 معهدا للتدريب المهني في عام 1967، ودرس في هذه المعاهد طاقم من المدرسين اليابانيين وبمناهج يابانية، وبحلول عام 1986 خرجت هذه المعاهد نحو 350 ألف متدرب عامل وتقني مدرب، وفي ظل غياب الموارد الطبيعية وضيق المساحة الجغرافية وشح رأس المال، استخدمت كوريا مهارات هذه العمالة لمواكبة التطورات التكنولوجية وإحداث نقلة نوعية في الصناعة الكورية.

ولعل الحقيقة التي يجب أن يعلمها الجميع أن الإنسان هو الثروة الحقيقية لأي أمة، ويجب الاستثمار فيه بدلا من الحجر لأنه أكثر قيمة ونفعا وعائدا، إن بعض الشركات أصبحت قيمتها تتجاوز اقتصاد عشرات الدول، فعلى سبيل المثال تجاوزت القيمة السوقية لشركة أبل حاجز الـ700 مليار دولار، أما شركة سامسونج فقد تجاوزت 327 مليار دولار، وهذا بفضل استثمارها في مواردها البشرية، وهو ما يفوق اقتصاد المملكة الذي قدر بـ644 مليار دولار وفقا لتقديرات البنك الدولي.

ويتساءل كثيرون عن سر تميز صناعة الكيان الصهيوني، وعن وصولها للأسواق الخارجية بسهولة، والإجابة عن هذا السؤال سهلة للغاية، فالموضوع ليس له علاقة بالسحر، وإنما نتج ذلك من خلال البحث العلمي المتواصل من أجل إيجاد حلول عملية لكل المعوقات التي تواجه صناعة الكيان الصهيوني، ولك أن تعلم أن حجم الإنفاق على البحث العلمي في المملكة لا يتجاوز 0.2% من الناتج المحلي، بينما في إسرائيل يصل لـ4.93% من الناتج المحلي وفقا للبنك الدولي متجاوزة في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية، وإذا استمر الوضع على هذا المنوال، فإن الصناعة لدينا ستبقى تقليدية دون إبداع، وهذا الوضع يؤدي إلى هروب الكفاءات من الوطن، لأننا للأسف لا نشجع على الابتكار والإبداع والمعرفة.

وتشير تقديرات منظمة اليونسكو إلى أن ما ينفق على المواطن العربي في مجال البحث العلمي سنويا لا يزيد على 14 دولارا، بينما ينفق على المواطن الأمريكي والأوروبي أكثر من 1200 دولار سنويا، وانعكس ذلك على حجم الإنتاجية، حيث بلغ عدد الأبحاث العلمية المنشورة على مستوى العالم في 2012 نحو2.945 مليون بحث علمي، وكان نصيب العالم العربي منها 38.5 ألف بحث فقط،، ونتيجة لهذا الواقع ما زلنا أسرى للشركات الاستشارية العالمية التي تفكر بالنيابة عنا، وتكلفنا أضعاف ما يمكن أن نحققه عند الاهتمام بمنظومة البحث العلمي.

وأخيرا يجب أن ندرك أن محبطات الانطلاق لصناعة المستقبل موجودة ومتوقعة، وكل الجهود مسخرة لتجاوز هذه الإحباطات والقضاء عليها، ولكن لن يحدث ذلك إلا بالاستفادة من تجارب الدول المتقدمة والسير على نهجها، ولا يعني ذلك تقليدها في كل شيء، بل الأخذ من تجاربها ما يناسبنا حتى نحقق التنمية الصناعية ونلحق بما يسمى بالعالم الأول.