المصفوفة

الاحد - 05 مارس 2017

Sun - 05 Mar 2017

في خضم التطور الحضاري والتقنيات الحديثة والنمو البشري الهائل، لا يدرك الناس خطرا داهما يتسلل إلى حياتهم ومجتمعاتهم بشكل سلس دون أدنى مقاومة ذهنية، حيث يتم اختراق العقول بكل بساطة.

يتم في الواقع تحويل البشر إلى أرقام (واحد) و(صفر) وفق مبدأ التنظيم المجتمعي والأتمتة، في سياق تسهيل وتسريع الحياة، وهذه تصورات جاذبة لكل أحد، ما لم تكن له بصيرة ثاقبة في عواقب وتأثيرات الأمور.

المصفوفات هي تشريع سيحكم البشرية ويسيطر عليها لفترة من الزمن عبر العالم كله بشكل تدرجي وهادئ، حيث ستقود الآلة - الذكاء الاصطناعي - البشر، وأنا هنا لا أتحدث عن فيلم سينمائي أو رواية من الخيال العلمي، وهذا أمر تحدثت عنه فعلا في عام 2003 تقريبا، وكان خارج سياق تصورات المجتمع، فالفكرة لم تكن واردة على بال أحد في ذلك الوقت - لم يكن الناس يستوعبون التطور التقني المستقبلي الهائل - وأعني بالمصفوفة أنظمة الكترونية تتحكم في تصنيف الناس وتحديد ما لهم وما عليهم وما ينبغي اتخاذه معهم وبهم من إجراءات غالبا ما تتعلق بالعقوبات أكثر منها تعلقا بالتسهيلات، وهو أمر نسبي يختلف من بلد إلى آخر، وسيكون الطابع الأمني والضرائبي هو السائد في بناء قيم تلك المنظومات الالكترونية المجتمعية، خاصة مع تبني فلسفة رأسمالية.

إنني من عشاق التقنية، وتصنيفي العلمي الحقيقي هو أنني سايبورغ منخفض التقنية، شأني شأن كثير من الناس وهذا يحتاج إلى شرح - وقد تحدثت عن هذا في إحدى القنوات - ولقد كتبت رواية تنبؤية سبق نشرها في ذلك الزمن، ظنها البعض بأنها سيناريو فيلم كرتوني، هكذا تجري الأمور عندما تسبق الزمن.

عندما يتم ضمك قسرا للمصفوفة، فسيتم احتساب أنفاسك ونبضات قلبك وعدد خطواتك، ستكون رقما يتحرك عبر شاشة مراقبة ترصدك على مدار الدقيقة والثانية طوال العام دون إجازات، ستتولى حواسيب ذكية هذا الرصد، وستخلو المنظومة من قيم الإنسانية، وسيكون الأمر ضمن طرفي الخطأ والصواب.

هاتفك الذكي سيقودك إلى المصفوفة، وإدارات المجتمعات البشرية ستضطر لبناء مصفوفات مصغرة، يتم ربطها بالمصفوفة العالمية التي ستخزن بياناتك في خوادم ذكية تتم دراستها آنيا عبر منظومات فرز بالغة الذكاء والتعقيد، ستكون حياتك سلعة للشركات عابرة القارات وأجهزة الاستخبارات والنظم الأمنية، سيتم بيعك وشراؤك عبر المصفوفات الصغرى دون أن تشعر - وهو ما يجري الآن فعليا - وستكون رقما لا إنسانا، إلا أنك ستكون مصدر دخل لآخرين.

في دين الله تعالى وشريعته السمحة العادلة، هناك منطقة رمادية يمكنك التحرك فيها ما بين الثواب والعقاب، تعتمد النية كمصدر للحكم عليك وتتنوع بين الواجب والمحرم والمكروه والمندوب والمباح، أما في شريعة المصفوفات القانونية الوضعية فسيكون لك خياران اثنان، صواب لن تكافأ عليه سوى بالسلامة من العقاب، أو خطأ تعاقب عليه بشكل فوري، هذا الأمر صممه بشر وقد يخرج هذا عن سيطرة البشر يوما ما - ولهذا تفصيل أعرضه في مقام آخر - ستلاحظ هذا في كافة شؤون حياتك اليومية، في وظيفتك وتجارتك وقيادتك لمركبتك حتى في الصحراء أو قاربك في وسط المحيط.

وللحديث بقية في مقال آخر.